jeudi 20 février 2014

بحث عجيب ومتكامل آية الدخان والنيزك وأول علامات النهاية الحلقة 5 و الأخيرة

السلام عليكم
نكمل البحث والمبحث الأخير
يتكلم عن قرائن لا يمكن فهم احاديثها بطريقة علمية إلا من خلال هذا التفسير للأحداث أو تفسير مشابه

ملاحظة / أرجو من أحد المشرفين أن يقوم بإلغاء المشاركة السابقة المكررة فقد حاولت إلغاءها ولكن لم أستطع

قرائن متعددة تعزز احتمالية
وقوع حدث كوني

هذا المبحث ضمنته ثلاث قرائن : إحداهما تشير صراحة إلى أن أنظمة الحرب في مرحلة الملاحم العظمى تكون تقليدية مما يؤكد على أن هذه الحضارة بتكنولوجيتها إلى زوال ، والثانية لها علاقة بنزول عيسى r من خلال نبوءة ذكرها العهد الجديد في الكتاب المقدس لدى النصارى ، وهي تصف طبيعة المرحلة التي ينزل فيها ، وتتفق تماماً مع ما ذكرت ، و الثالثة قراءة قرآنية للسنن الربانية في إهلاك الأمم مقارنة مع واقعنا المعاصر ، وتفصيل ذلك على النحو التالي :

القرينة الأولى : أنظمة الحرب ووسائله في علامات الملاحم وأحاديث العلامات .

المعلوم أننا نعيش في عصر العلم والتكنولوجيا ، وهذا العصر اختلفت فيه أشكال المدنية عن العصور السابقة بشكل ملحوظ ، و أهم اختلاف يعنينا هنا هو وسائل القتال التي اختلفت بشكل جوهري ، بحيث أصبحت وسائل القتال القديمة لا ذكر لها في موسوعة القتال في عصرنا .
والملاحظ على أكثر علامات الساعة التي تتحدث عن مرحلة المهدي والدجال والملحمة العظمى أنها استخدمت العبارات الدالة على وسائل القتال القديمة كالسيف والرمح والخيل وغيرها ، وهذه الوسائل القتالية التي عبرت عنها الأحاديث النبوية بما يخص مرحلة مستقبلية هل هي معاني مجازية دالة على وسائل قتال كل عصر ، أم هي على حقيقتها ؟ والرأي الأخير يستلزم القول بفناء تكنولوجيا العصر ، ويتفرع على هذه القول تساؤل آخر وهو هل يكون فناء هذه المنظومة التكنولوجية المعاصرة بفعل البشر أم لأسباب أخرى ؟

هذا يتطلب منا النظر في النصوص نظرة تأملية ، ونرى هل يمكن حملها على المجاز ، أم لا ، وإذا كنا لا تستطيع حملها على المجاز ، واعتبرناها على حقيقتها ، فهل هذا مؤشر على بعد وقوعها كما يتصور البعض ، هذا نستطيع أن نفصله من خلال دراسة النصوص النبوية ، وتوجيه القول في العلاقة بينها وبين الحدث الكوني وذلك من خلال البندين التاليين :

البند الأول : النصوص الدالة على أنظمة الحرب ووسائله في أحاديث الملاحم .

/ - عَنْ يُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ : هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى : إِلَّا يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ جَاءَتِ السَّاعَةُ . قَالَ فَقَعَدَ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ : } إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ . ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّأْمِ ، فَقَالَ : عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ . قُلْتُ:الرُّومَ تَعْنِي ؟ قَالَ : نَعَمْ وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمُ الْقِتَالِ رَدَّةٌ شَدِيدَةٌ ، فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً ، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ ، فَيَقْتُلُونَ مَقْتَلَةً إِمَّا قَالَ : لَا يُرَى مِثْلُهَا وَإِمَّا قَالَ : لَمْ يُرَ مِثْلُهَا حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِمْ فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيْتًا فَيَتَعَادُّ بَنُو الْأَبِ كَانُوا مِائَةً فَلَا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَيُقْبِلُونَ فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إِنِّي لَأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ ، وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ ، هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، أَوْ مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ . { ([1])

شرح :

هذا الأثر يتحدث عن الملحمة العظمى التي تكون بين المسلمين وبين الروم ، والملاحظ على هذه المعركة عدة أمور يرشد إليها السياق :

- قوله في الحديث أنهم يقتتلون حتى يحجز بينهم الليل إشارة قوية إلى أن نظام القتال سيكون على الطريقة القديمة التي يكون لليل أثر واضح في إيقاف القتال ، أما مع وسائل القتال المعاصرة والتكنولوجيا الحربية فليس لليل أي أثر في منع القتال ، بل على العكس الحروب المعاصرة يعتبر فيها الليل أفضل من النهار مما يدل دلالة واضحة على أن القتال يكون بصورته القديمة التي لا ينفع فيها القتال إلا في النهار ، وهذا دليل واضح في أن من استخدم معول التأويل في النصوص في اعتبار أن السيف في الأحاديث للدلالة على البندقية والخيل على الدبابة لم يوفق في ذلك ؛ لأن الكلام هنا لا يحتمل التأويل ، و إلا كيف نؤول حرباً يحجز الليل فيها بين الجيشين في ظل أجهزة الليزر المعاصرة والتكنولوجيا الحديثة التي لا تفرق بين ليل ولا نهار ؛ إذاً هذا الحديث يتضمن قرينة قوية دالة على فناء تكنولوجيا العصر وعودة البشرية إلى أنظمة القتال القديمة .

- في الحديث إشارة إلى الفوارس العشرة مع تصريح النبي r بمعرفته لأسمائهم وألوان خيولهم ، والأصل أن تحمل الخيول على حقيقتها وهذا يتناسب مع ذكر ألوانها ، إضافة إلى أن وصف الراكبين عليها بأنهم فوارس ، يقتضي أن يكون تحته فرس فهذا الوصف لا يتناسب إلا لذلك ، أما القول بأن المراد بالخيول الدبابات ونحوها ، فهذا تأويل فاسد (_ ) دل سياق الحديث على فساده ، لتضمنه على قرينة معززة للمعنى الحقيقي ، وهي كون أنظمة الحرب تقليدية .

/ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : } لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ : خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ . فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ : لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ r فَأَمَّهُمْ فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ . { ([2])

شرح :

هذا الحديث يتضمن عدة وسائل للقتال على نسق الحروب القديمة ونهجها ، وهذا واضح في عدة أمور منها :

1- القتال هنا على الطريقة التقليدية القديمة [نظام الصفوف و اصطفاف الجيشين للقتال ] وهذا لا يكون إلا في الحروب القديمة التي يستخدم فيها السيف ،

أما الحروب في المفهوم التكنولوجي فلا يلزم فيها مثل هذا الإجراء .

2- التصريح بكلمة تعليق السيوف على الزيتون على حقيقته ، ولو كان المقصود به وسائل حربية أخرى لكان الأولى ذكر كلمة الأسلحة بدلاً من كلمة السيوف ، وكلمة السلاح كلمة عربية وقرآنية ، مما يدل على أن السيوف هنا مقصودة لذاتها لأنها الوسيلة الحقيقية في الملحمة .

3- الإشارة للحربة التي مع سيدنا عيسى r ، وهي من وسائل القتال القديمة .

فهذه الدلالات كلها تشير إلى أن أسلوب القتال من أساليب الحروب القديمة وليست الحديثة ، وهذه الدلالة لا تحتمل التأويل كما يرى البعض ؛ حيث أنه لو أمكن تأويل السيف والحربة ، فليس من السهل تأويل فكرة اصطفاف الصفوف للقتال الدال على أن المعركة من المعارك التي يلتحم بها الجنود مع بعضهم البعض كما هو معهود في الحروب القديمة ، وهو ما لا تحتمله الحروب التكنولوجية المعاصرة .

/ - عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : } الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ . { ([3])

شرح :

هذا الحديث صريح في أن الخيل المعهودة معقود في نواصيها الخير ، والمعلوم أن هذا الخير المقصود في الحديث هو في استخدامها بالقتال ، وهذا صريح في نهاية الحديث بقول النبي r الأجر والمغنم الدال على الجهاد .

والشاهد في الحديث قول النبي r إلى يوم القيامة ، مما يشير إلى عودة استخدامها في الحروب ، وإلا فما قيمة هذه العبارة إذا كان استخدام الخيل في الحروب سيستبدل نهائياً بغيره من الوسائل قبل يوم القيامة ، ولاكتفى النبي r بذكر فائدة الخيل فقط دون ذكر هذه العبارة .

بل هذا الحديث فيه لفتة نبوية عجـيبة ، وهي أن الحالة التي عايشناها في وسائل القتال المعاصرة ليست دائمة ، بل هي تمثل مرحلة طارئة ستنتهي معها ويرجع الأمر إلى سابق عهده في استخدام الوسائل القديمة في القتال ومن ضمنها الخيل .

ولو لم يكن هذا مراداً لما كان هناك حكمة في إيراد النبي r لهذا الكلام وتأكيد بقائه إلي يوم القيامة .

والمعلوم أن الوسائل القتالية المعاصرة لم تكن معهودة قبل قرن من الزمان ، ومدة بقائها المستقبلية مجهولة ، وقد تكون قصيرة جداً ، مما يعزز أنها حالة استثنائية طارئة ضمن حالة عامة تقليدية على مدى البشرية .

/ - جاء في حديث أبي أمامة الطويل عن الدجال : } قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام افْتَحُوا الْبَابَ ، فَيُفْتَحُ وَوَرَاءَهُ الدَّجَّالُ مَعـَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ يَهُـودِيٍّ كُلُّهُمْ ذُو سَيْفٍ مُحَلًّى وَسَاجٍ{ ([4])

أقول :

الحديث صريح في أن سلاح اليهود يكون السيف المحلى ، ولو كان غير ذلك من الأسلحة المعاصرة لاستخدم النبي r كلمة سلاح بدل كلمة السيف ، وكما ذكرت سابقاً أن سياق بعض الأحاديث لا يحتمل تأويل السيف بالأسلحة المعاصرة ؛ لأنها تضمنت إشارات صريحة على أن أنظمة الحرب تنطبق على الأسلوب القديم لا التكنولوجي الحديث .

/ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ : } تُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فَيَخْرُجُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَعُمُّونَ الْأَرْضَ وَيَنْحَازُ مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى تَصِيرَ بَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيَهُمْ حَتَّى أَنَّهُمْ لَيَمُرُّونَ بِالنَّهَرِ فَيَشْرَبُونَهُ حَتَّى مَا يَذَرُونَ فِيهِ شَيْئًا فَيَمُرُّ آخِرُهُمْ عَلَى أَثَرِهِمْ فَيَقُولُ قَائِلُهُمْ : لَقَدْ كَانَ بِهَذَا الْمَكَانِ مَرَّةً مَاءٌ وَيَظْهَرُونَ عَلَى الْأَرْضِ فَيَقُولُ قَائِلُهُمْ : هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْأَرْضِ قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ وَلَنُنَازِلَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَهُزُّ حَرْبَتَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ مُخَضَّبَةً بِالدَّمِ . { ([5])

/ - عن النَّوَّاس بْنَ سَمْعَانَ t أن رَسُولُ اللَّهِ r قَالَ : } سَيُوقِدُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِسِيِّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَنُشَّابِهِمْ وَأَتْرِسَتِهِمْ سَبْعَ سِنِينَ { ([6])

شرح :

هذان الحديثان صريحا الدلالة بما لا يحتمل التأويل أن الأسلحة في زمن ياجوج ومأجوج هي نفس الأسلحة التقليدية القديمة ؛ حيث جاء في الحديث الأول ذكر الحراب ، وهي الرماح ، وفي الأثر الثاني ذكر النشاب والقسي والأترسة ، وقد صرح الأثر الثاني بأن المسلمين سيوقدون من أسلحة يأجوج ومأجوج سبع سنوات مما يدل صراحة على أنها من الخشب ، وهذا الوصف يتفق مع الأسلحة القديمة .

الخلاصـة

يتضح من الأحاديث السابقة أنها تدل صراحة على أن الحروب في الملاحم وبعدها تكون وفق الأساليب القديمة وأسلحتها ؛ لذا جاء ذكر الخيل والسيوف والرماح والحرب فيها ، وهذه الوسائل لا يمكن تأويلها وحملها على الوسائل الحديث لأن الأحاديث نفسها صرحت بأن أنظمة الحرب نفسها تكون تقليدية لا يصلح فيها القتال بالليل ، وتكون الجيوش بنظام الصفوف التي يتلاحم من خلالها الجيشان ، وهذه الأنظمة لا يمكن تصور وجودها إلا إذا كان المستخدم فيها وسائل القتال القديمة فقط ، ويعزز ذلك كله أن النبي r صرح بأن استخدام الخيل في الجهاد سيبقى إلى يوم القيامة مما يؤكد على أننا الآن في مرحلة استثنائية قصيرة أعفيت منها الخيل في الحروب ، لكنها ستعود لتكون الفيصل في المعارك المستقبلية .


البند الثاني : توجيه القول في أنظمة الحرب وعلاقتها بآية الدخان والحدث الكوني .

يلحظ مما سبق أن الأحاديث الدالة على ملاحم آخر الزمان كلها تشير إلى أن الأسلوب المتبع فيها هو أنظمة الحرب القديمة ووسائلها ، وهي لا تحتمل التأويل كما يظن البعض ، وهذا يُخلصنا إلى نتيجة حتمية وهي : إن الوسائل الحربية المعاصرة لا محالة ستؤول إلى فناء .

وهذا أمر يستبعده البعض لأن العلم والمعرفة تراكمية ، والأصل في الإنسان أن يزداد تطوراً ، وليس من السهل من الناحية العقلية تصور العودة للوراء خاصة من الناحية العلمية والتكنولوجية ؛ لذا عمد هؤلاء إلى سلاح التأويل في النصوص النبوية ، وكما ذكرت سابقاً أن هذه النصوص تضمنت في طياتها ما يمنع هذا التأويل ويبطله ، والقرينة التي اعتمدها هؤلاء في تأويلهم ما ظنوه مسلمة في أن هذا التطور ليس من السهل اندثاره من ذاكرة البشرية .

والبعض الآخر يرى أن معاني النصوص على حقيقته ؛ لكنه يجد في نفس الوقت أن ذلك قرينة إلى أن بيننا وبين هذه الملاحم العظمى قرون ، والذي دفعهم إلى هذا الفهم هو نفس المسلمة السابقة ، وهي عدم تصورهم اندثار كل هذا التطور والتكنولوجيا بسهولة ، بل يحتاج الأمر لقرون لتصوره .

أما من رأى قرب وقوع الحدث فقد ربطه أيضاً بسبب بشري ؛ حيث تصور هؤلاء قيام حرب عالمية ثالثة تكون مدمرة ، ويترتب عليها فناء كل أسلحة العصر .

والحق في ظني بخصوص هذه المسألة أن أنظمة الحرب في الملاحم المذكورة أنظمة قديمة ، و هذه الوسائل التي ذكرها من أوتي جوامع الكلم ، ورأى ما هو كائن إلى يوم القيامة من خلال الوحي الرباني يعتبر أكبر قرينة على ما ذكرته بأن هناك حدثاً كونياً مهولاً سيعصف بالكرة الأرضية يؤثر على كل أنظمتها أو قوانينها التي استمدت من خلالها المدنية الحديثة القدرة التكنولوجية المعاصرة ، والمعلوم أن أي اختلال في الغلاف الجوي له آثاره على الاتصالات وعلى الطيران ..إلخ

فهذه القوانين التي درسها الإنسان واستطاع من خلالها الاستفادة من الثبات النسبي فيها في عصرنا في كثير من مخترعاته قد يطرأ عليها تغير مفاجئ يخل بها جميعاً .

فإذا صادف الأمر حدثاً كونياً مهولاً تضطرب معه الأرض ، وتحدث معه المجاعات والأوبئة وتتغير الأولويات ، و تغيب من خلاله مدنيات مع أسرارها بأكملها ، فعندها يسهل علينا تصور الدواعي والأسباب التي تعيد الحروب إلى سابق عهدها .

وما يراه البعض يحتاج إلى قرون قد لا يحتاج في بادئ الأمر إلى ساعات حاسمة مغيرة لكل ما نحن عليه ؛ لذا لا يُستبعد حدوثه في كل لحظة كما يرى بعض أهل الاختصاص .

وما أقوله ليس ضرباً من الخيال ، بل مثل هذا الانهيار التكنولوجي والمدني المعاصر لا يغيب عن مخيلة كثير من علماء العصر ، بل تصوره في أفهامهم أكثر من تخيلنا له .

ومن درس طبيعة الأنظمة المعقدة التي تحكم الكرة الأرضية ، ومدى ترابطها مع بعضها لدرجة أن حدثاً قد يراه البعض بسيطاً يقع في ناحية منها يكون له الأثر على أنظمة كثيرة في الكرة الأرضية ، فمثل هذه الدراسة لأنظمة الكرة الأرضية والتي يعيها العلماء جيداً تجعل تصورنا للأمر وتوابعه المدمرة أكثر تقبلاً .

وحتى يتضح الأمر أقول : ظاهرة بسيطة في عصرنا تسمى ظاهرة الانحباس الحراري ( الدفيئة ) يرى فيها العلماء المتخصصون آثاراً مدمرة قد تنهي الحياة المدنية المعاصرة ، ويربطون بينها وبين حصول أعاصير مدمرة وأوبئة قاتلة ، ومجاعات وقحط ، وحروب طاحنة ، وتغير بيئي ومناخي وغرق مدن ، بل دول بأكملها تحت الماء ، واختلال في كثير من القوانين التي تحكم الكرة الأرضية .

و الإنسان البسيط منا قد يصعب عليه الربط بين كل ما ذكرت وبين ظاهرة الانحباس الحراري ، ولكن العلماء المتخصصون نظراً لفهمهم مدى تعقد الظواهر الطبيعية والمناخية وترابطها يجدون تفسيراً واضحاً لكل تصوراتهم هذه .

فإذا كانت هذه تصورات العلماء المستقبلية لظاهرة بسيطة كظاهرة الانحباس الحراري ، فكيف تكون تصوراتهم لو سقط على الأرض نيزك ضخم قوته التدميرية والحرارية تعادل مئة ألف قنبلة نووية ؟

فمثل هذا الحدث الكوني الضخم يصعب حتى على البشرية تصور كل توابعه ، والقول بقدرته على إنهاء كل أشكال المدنية المعاصرة يعتبر من أسهل التوقعات وأقربها للواقع في تصورات أهل الاختصاص . } فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ { ([7])

خلاصة القول :

الآثار النبوية التي تتحدث عن ملاحم مستقبلية تشير صراحة إلى أن أنظمة القتال ووسائله فيها هو الأنظمة القديمة مما يدل على أن المدنية الحديثة بكل صورها حتماً إلى فناء ، وهذه قرينة قوية دالة على أن هناك حدثاً عظيماً غير معهود سيصيب الكرة الأرضية ، وهذا الحدث سيؤثر عليها بالكلية . ولا يتصور فناء المدنية الحديثة نتيجة لأحداث بسيطة كالزلازل والبراكين وغيرها ، ولا حتى عن طريق الحروب العظمى ، فمثل هذه الأمور قد تخل بالقدرة العلمية والتكنولوجية ، ولكنها لا تؤدي إلى فنائها ، وهذا ملاحظ بعد الحربين العالميتين .


القرينة الثانية : توصيف عيسى r لمرحلة نزوله كما وردت في الإنجيل .

هذه القرينة هي الوحيدة في كتابي بأكمله التي أذكر فيها بعض الإسرائيليات ، وبالرغم من دراستي التي أزعم أنها واسعة لكتب الديانات السابقة خاصة في كل ما يتعلق بالإشارات المستقبلية إلا أنني وجدت في الكتاب والسنة ما يشفي الغليل في فهم كل ملابسات الفتن والملاحم وعلامات الساعة فاقتصرت عليها في كتابي ، وهذا هو الأصل لأنها المصادر الأصيلة المعتبرة لدينا ، أما باقي المصادر خاصة كتب الديانات السابقة فقد ثبت لدينا أنها قد حرفت ؛ لذا لا نسلم من الخلل والزلل خلال التعاطي معها ، وهذا ما حذا بي إلى ترك كثير من الاستشهادات حتى التي توافق شرعنا .

لكن في هذا الفصل بالذات نظراً لغموضه وتعلقه بمرحلة الدجال التي يليها نزول عيسى r رأيت أن أذكر بعض النصوص الواردة في الإنجيل التي تحكي طبيعة تلك المرحلة ، وأذكرها هنا في باب القرائن فقط استئناساً ومحاكمة وليس استشهاداً ، خاصة في خبر ورد في الكتب السابقة لا يتعارض مع ما تدل عليه الأدلة في شرعنا ، وهذا الوجه جائز في رواية الإسرائيليات ، ويدخل تحت باب « حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج . » (_ )

فقد ورد في الإنجيل أن عيسى r أخبر حواريه عن مرحلة نزوله ، فطلبوا منه الأمارات الدالة على ذلك وهذه النصوص الواردة في ذلك : « تقدم إليه التلاميذ على انفراد قائلين ، قل لنا : متى يكون هذا وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر ؟ فأجاب يسوع وقال لهم : انظروا لا يضلكم أحد . فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو المسيح ويضلون كثيرين وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب .. وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن ، لكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع ، حينئذ يسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمي ، وحينئذ يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضاً ويبغضون بعضهم بعضاً ، ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين .. فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس ليفهم القارئ ، فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال ... وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت ؛ لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون ، ولو لم تقصَّر تلك الأيام لم يخلص جسد . ولكن لأجل المختارين تُقَصَّر تلك الأيام .. وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه ، والنجوم تسقط من السماء .. وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان. » ([8])

هذا النص الأول في إنجيل متى وكرر نفس الموضوع في إنجيل مرقس وإنجيل لوقا ، مع بعض الاختلافات الهامة أذكرها هنا .

« وتكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة ، وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء ، وقبل هذا يلقون أيديهم عليكم ويطردونكم ويسلمونكم إلى مجامع وسجون وتساقون أمام ملوك وولاة .. وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم ، وعلى الأرض كرب . أمم بحيرة . البحر والأمواج تضج ، والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة لأن قوات السماء تتزعزع . » ([9])

« .. ومتى رأيتم رجسة الخراب التي قال عنها النبي دانيال قائمة حيث لا ينبغي ..وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ؛ لأنه يكون في تلك الأيام ضيق لم يكن مثله منذ ابتداء الخليقة التي خلقها الله إلى الآن ولن يكون ، ولو لم يقصر الرب تلك الأيام لم يخلص جسد ، ولكن لأجل المختارين الذين اختارهم الله قصر الأيام .. أما في تلك الأيام بعد ذلك الضيق فالشمس تظلم والقمر لا يعطي ضوءه ونجوم السماء تتساقط . » ([10])

هذه أبرز النصوص التي تطرقت إلى مرحلة نزول عيسى r ، و لكي نفهمها جيداً أشير هنا إلى أن الخطاب هنا موجه للحواريين ، وهم مسلمو تلك المرحلة ، أما الخطاب المستقبلي فسيكون لمن هو على شاكلتهم من مسلمي مرحلة النزول ، وهم أتباع محمد عليه السلام .

محاكمة النصوص السابقة ومقارنتها مع ما ثبت في شرعنا :

الواضح من سياق النصوص السابقة أنها تحكي إرهاصات المرحلة التي تسبق نزول عيسى r وعلاماتها ، ولعل أعم العلامات التي ذكرها عيسى r :

1- خروج أدعياء النبوة [ أنبياء كذبة ومسحاء كذبة ] ، وهذه العلامة أخبر النبي محمد r عنها أنها من علامات الساعة ، وذكر ثلاثين دعياً للنبوة يكون آخرهم المسيح الدجال ، لكن أضيف هنا أن هذه العلامة من عيسى r قد يكون فيها إشارة إلى المدرسة الإنجيلية الأصولية ذات الإمكانات الهائلة و القنوات التبشيرية التلفزيونية المليونية التي يعج بها الغرب ، والمعلوم أن هؤلاء قد اخضعوا تعاليم الدين المسيحي إلى المآرب السياسية والمصالح الشخصية فأضلوا الكثيرين ولهم صولات وجولات كثيرة في التأثير على الرأي العام وعلى توجهات الشعوب حسب مآربهم .

2- زلازل عظيمة ومجاعات وأوبئة : وهذه ذكرت في النصوص السابقة الثلاثة ، وفي بعضها جاءت الإشارة إلى زلازل في أماكن ، مما يشير إلى عدم عمومها ، وهذه العلامة عبر عنها نبينا محمد r بصيغتين الأولى : كثرة الزلازل ، وسنوات الزلازل ، ثم بالخسوف الثلاثة التي تكون في أماكن مخصوصة ، وما دام النص الإنجيلي يخبر عن مرحلة عودة عيسى r إذا يراد بها علامة لم تأت بعد كما ذكرت سابقاً وهي سنوات الزلازل ، أو الخسوف الثلاثة[ خسف المشرق – خسف المعرب – خسف جزيرة العرب ] .

3- رجسة الخراب : وهذه علامة لم تذكر في نصوصنا الشرعية والمراد بها والله أعلم قيام هيكل اليهود ، وجاءت الإشارة في بعض النصوص إلى قيام رجسة الخراب في المكان المقدس حيث لا ينبغي لها مما يشير إلى أنها وإن كان الهدف من قيامها ديني إلا أنه ليس لله ؛ لذا استحق كلمة الرجس التي هي صنو النجس ، والغريب أن اليهود في أحد حلقات هجمتهم على بيت المقدس قاموا ببناء أو تجديد كنيس في القدس على مقربة من المسجد الأقصى أسموه كنيس الخراب (_ ) واعتبروا أن بناءه إشارة إلى إعادة الهيكل ، وما زالت الحملة مستمرة لتهويد القدس ولا نعلم ما هي آخر حلقاتها .

4- علامات كونية تسبق نزول عيسى r : وهذه جاء التعبير عنها بعدة أشكال في النصوص السابقة : « فالشمس تظلم والقمر لا يعطي ضوءه ونجوم السماء تتساقط » « وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه ، والنجوم تسقط من السماء » « وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم » « وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء » ، وجاء في أسفار العهد القديم توصيف لنفس الحدث وتعلقه بيوم عظيم يسبق يوم القيامة ، ففي سفر يوئيل : « قدامه ترتعد الأرض وترجف السماء الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها » « وأعطى عجائب في السماء والأرض دماً وناراً وأعمدة دخان ، تتحول الشمس إلى ظلمة ، والقمر إلى دم قبل مجيء يوم الرب العظيم المخوف . » ([11]) وفي سفر عاموس : « ويكون في ذلك اليوم أني أغيب الشمس في الظهر ، واقتم الأرض في يوم نور » ([12]) وفي سفر حزقيال : « وعند إطفائي إياك أحجب السموات وأظلم نجومها ، وأغشي الشمس بسحاب والقمر لا يضيء ضوءه وأظلم فوقك كل أنوار السماء المنيرة ، وأجعل الظلمة على أرضك . » ([13]) هذا أبرز العلامات الفلكية الحاصلة قبل نزول عيسى r ضمنتها بعض نصوص العهد القديم التي تحكي نفس الحدث والمواصفات (_ ) ، وهي تعبر بشكل جيد عما ذكرته سابقاً ، فظلام الشمس وعدم إعطاء القمر لضوئه كناية عن الحجاب الذي يحجبهما عن الأرض ، وهو آية الدخان ، أو الدخان المتولد والمستقر في الغلاف الجوي بسبب نزول كسف. أما النجوم التي تتساقط فهي كناية عن الكسف الساقط أو الحاصب المسوم ، والنص السابق يربط بين علامات عظيمة في السماء وبين مخاوف على الأرض ، وبينت النصوص أن هناك مخاوف عظيمة بين الناس لما يتوقعونه من نتائج خطيرة لهذه العلامات ، وفيها إشارة إلى تيقنهم بأن ما يقع بهم هو غضب رباني ترتب عليه تسلط جنود السماء عليهم ، وهذا عبرت عنه النصوص بقولها « والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة لأن قوات السماء تتزعزع . » ولاحظ أن النص استخدم كلمة يغشى ، وهي نفس الكلمة التي جاء ذكرها في آية الدخان ، كذلك حالة الانتظار هنا فيها دلالة على أن علامات السماء تظهر أولاً ثم بعد برهة من الزمان تسقط على المسكونة ، وهذا يتفق مع الآثار التي ذكرتها سابقاً من ظهور النجم ( النيزك ) ثم بعد ذلك سقوطه في المشرق .

5- تقارب الزمان : وهذه العلامة عبر عنها النص الإنجيلي بعدة عبارات منها : « ولو لم يقصر الرب تلك الأيام لم يخلص جسد ، ولكن لأجل المختارين الذين اختارهم الله قصر الأيام » « ولو لم تقصَّر تلك الأيام لم يخلص جسد . ولكن لأجل المختارين تُقَصَّر تلك الأيام » وهذه العلامة أخبر عنها نبينا محمد r في عدة أحاديث ذكرتها في موضعين من الكتاب ، أحدهما هذا الفصل إلا أن النص هنا فيه ثلاث إشارات عجيبة :

الأولى : فيه تأكيد على أن تقارب الزمان على حقيقته .

والثانية : تقارب الزمان له علاقة بمرحلة الحدث الكوني أو العلامات التي في السماء ؟

والثالثة: فيه بيان للحكمة من حصول هذه العلامة وهو أن بسببها ينجو الكثيرون من أهل الأرض بقوله « ولو لم يقصر الرب تلك الأيام لم يخلص جسد » وأن هذه العلامة سيقت أصالة من باب الرحمة الربانية والعصمة الإلهية لأهل الله في الأرض ، أو أولياء الله في الأرض أو المختارين وهي من باب« لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ » ([14])

7- كرب ـ حيرة ـ أمواج ثائرة . وهذه العلامة عبر عنها النص الإنجيلي « وعلى الأرض كرب . أمم بحيرة . البحر والأمواج تضج » أما وجود الكرب والحيرة فهذه عبرت عنها الأحاديث النبوية كثيراً وفي مناسبات عدة ، وأي حيرة أعظم من أن يتقلب الإنسان بين النقيضين خلال ساعات « يصبح مؤمنا ويمسي كافراً » وأي كرب أشد من أيام الصبر التي يكون القابض فيها على دينه كالقابض على الجمر ، أو يتمرغ فيه الرجل على القبر متمنياً الموت وغابطاً أهل القبور ، لكن يلاحظ في النص السابق أنه أشار إلى علامة بحرية لها علاقة بالعقوبة وهي الأمواج الثائرة ، والواقع يشهد لهذه العلامة ، وموجة تسونامي الأخيرة كانت آية من الآيات ، ولعله يكون بعدها موجات بحرية وأعاصير عاصفة أخرى نسأل الله السلامة .

8- علامة ابن الإنسان : ، وهذه العلامة ذكرتها النصوص السابقة بعد أحداث أرضية وسماوية متعددة كذهاب ضوء الشمس والقمر ، وتساقط النجوم ، وجاء التعبير عن هذه العلامة بالتالي : « وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان . » ؛ أي بعد هذه الأحداث تظهر هذه العلامة ، ودلالتها تشير إلى إنسان يخرج في آخر الزمان وتكون هناك بعض العلامات الدالة عليه ، وهي من الخوارق ، أو من إرهاصات خروجه ، وهذا النص يحتمل ثلاثة أمور :

الأمر الأول :

يحتمل أن يكون المقصود به هو عيسى عليه السلام ، خاصة أن سياق النصوص يشير إلى أن عيسى عليه السلام ذكر علامات عودته ومجيئه ، وقد لاحظت تكرار هذه العبارة في مواضع متعددة ويقصد بها عيسى عليه السلام ، وهذا الاحتمال هو ما أرجحه ، خاصة أن قرائن متعددة تدل عليه (_ ) .

الأمر الثاني :

يحتمل أن يكون المقصود بذلك هو المهدي t الذي يكون خروجه في تلك المرحلة ؛ وجاء النص ليشير إلى علامة تظهر عند خروجه ، وهذه العلامة هي المقصودة في الأثر الوارد عن علي بن عبد الله بن العباس حيث قال: » لا يخرج المهدي حتى تطلع مع الشمس آية.« ([15])

ويحتمل أن تكون العلامة أيضاً الخسف الذي يقع في جزيرة العرب في الجيش الذي يقصد قتال المهدي ، فهذا الحدث هو من أكبر دلائل مصداقية خروج المهدي t .

الأمر الثالث :

يحتمل أن يكون المقصود بذلك هو الدجال الذي حذر منه كل الأنبياء ومن ضمنهم عيسى r ؛ لذا مع هذه الأحداث تبدأ إرهاصات خروجه وعلاماتها ، ووصفه بابن الإنسان يراد به هنا بيان حقيقته ، وكذبه في ادعائه للربوبية .


القرينة الثالثة : السنن الربانية في إهلاك الأمم .

القرآن الكريم منهاج الأمة الخالد ونبراس الحق ، ونور القلوب في استلهام مجريات الصراع بين الحق والباطل ، وقد تضمن سنناً ثابتة للنصر أو الهزيمة ، للبقاء أو الهلاك ، وهذه السنن المنثورة في القرآن الكريم ضمن سياقات محددة تشير بوضوح إلى أن هناك قانوناً ربانياً عاماً مبنياً على أسباب ونتائج – وفق قدر الله – وهذا القانون يتحدد من خلاله بقاء أمة أو هلاكها ، وهذا القانون شأنه شأن القوانين الطبيعية الأخرى التي قدرها الله سبحانه وتعالى في الكون بحيث يترتب على وقوع السبب حصول النتيجة المترتبة عليه ، بل السنن الربانية في إهلاك الأمم أكثر ثباتاً من القوانين الطبيعية في الكون ، والذي دل على كونها أكثر ثباتاً هو الذي قدرها ، وهو الله سبحانه وتعالى .

يقول الله سبحانه وتعالى : } سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً{ ([16]) } سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً { ([17]) } سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً { ([18]) } وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً، اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً{ ([19])

فالآيات تشير صراحة إلى هذا القانون الإلهي المقدر والمبني على السبب والنتيجة في تصريف الأمم وهلاكها والآيات واضحة الدلالة على ثبات هذه السنن ، وهذا المعنى أشار إليه محمد الغزالي بقوله : » .. والأساس أن القرآن نبه فعلاً إلى أنه كما توجد سنن كونية في إطار المادة تجعل درجة الغليان مثلاً عند المائة ، ودرجة التجمد عند الصفر ، أو تجعل للغازات ضغوطاً معينة .. كذلك الأمر في الحضارات البشرية ، وانهيارات الأمم وانتصاراتها : إنها تخضع لقوانين لا يمكن أن تتبدل .. سنن الله في المجتمعات هي صور أخرى مكملة أو امتداد طبيعي لسننه في العلوم التطبيقية .. ليس هناك فوضى في الكون من ناحية البناء العلمي له ، ومن ناحية الانطلاق الحضاري ، سنن قائمة بيقين ، وسنن ثابتة . « ([20])

كلام الغزالي صريح ، ولا يحتاج إلى تعقيب ، والآيات السابقة دلالتها واضحة على أن الأمم – من حيث الزوال أو البقاء - تحكمها قوانين ربانية ثابتة لا تتبدل ولا تتحول ما دامت السماوات والأرض ، ولئن كان الغرب أوفق منا في اكتشاف قوانين الطبيعة وتوظيفها في الحياة من خلال التأمل في آيات الله المنظورة ، فنحن أولى منه في اكتشاف قوانين السماء في صراع الحق والباطل من خلال التأمل في آيات الله المقروءة والدالة على هذه القوانين ، وهذا باب عظيم غفلنا عنه ، ولا يتسع مجال البحث هنا لملاحقته ؛ لأن هذا الموضوع لوحده يحتاج إلى مجلد ضخم ، لذا سأقتصر هنا على بعض الإشارات التي سأخلص منها إلى نتيجة تعتبر قرينة دالة على وقوع حدث كوني هائل يعصف الكرة الأرضية .

1- السنن الربانية المهلكة . (_ )

خلال استقراء قمت به لكتاب الله والسنن المبثوثة فيه مقارنة بواقعنا المعاصر وجدت أن أكثر هذه السنن قد تجسدت في العالم بما يوحي بقرب عقوبة ربانية تتناسب و طبيعة الجرم ، ولعل أهم السنن الربانية المهلكة والمذكورة في القرآن هي الظلم ، وهو مشاهد في عصرنا بشكل واضح وبكامل صوره سواء كان الكفر بعينه أو الظلم الاجتماعي أو الظلم الاقتصادي أو الظلم لأهل الله سبحانه وتعالى في الأرض بإثارة الشبهات حولهم وببث الشهوات بينهم ، أو بتعذيبهم أو تكذيبهم أو حصارهم اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً أو بالمكر بهم وملاحقتهم .

ومن هذه السنن أيضاً الاستكبار والعلو في الأرض والنموذج العادي والفرعوني لحظة هلاكهما موجودان في عصرنا وهناك من نرى لسان حاله يقول : من أشد منا قوة ، ومن يرى أن أهل الله سبحانه وتعالى في الأرض شرذمة قليلون ، وهناك من يرسل إلى المدائن بل إلى الدول ليحشر كل طاقاته وجيوشه للكيد بالإسلام وأهله ، وهناك من يرى استخدام القوة بأبشع صورها مع كل من يثبت على دينه ، ويتمثل منطق فرعون القائل : سنقتل أبنائهم ، ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون .

ومن هذه السنن الكيد لأهل الله من خلال التآمر عليهم ، وهذا واضح في عصرنا ، ومكرهم لا تزول منه الرجال فقط بل تزول منه الجبال ، سواء كان مكراً بالقرآن نفسه أو بالسنة أو بمدارس القرآن أو بالمناهج الدينية حتى لو كانت تتضمن قصوراً ، أو بتعاليم الإسلام وثوابته من خلال ملاحقة المرأة العفيفة والكيد بها ومصادرة فكرها التليد ، وبث الأفكار المسمومة في ذهنها باسم تحرير المرأة أو حقوقها .

ومن السنن المهلكة أيضاً تحرك المترفين في الأرض ليفسدوا فيها فساداً موجباًً للعقاب ، وهذا ملاحظ في عصرنا حيث يؤمر المترفون أمراً بأن يكون لهم نصيب في الإفساد من خلال الفضائيات الخاصة وأماكن اللهو و وعروض الأزياء وغيرها .

ومن هذه السنن أيضاً تزين الأرض التي يترتب عليها ثقة الإنسان العمياء بنفسه وسيطرة الوساوس الشيطانية عليه بأنه قادر علي كل شيء ، فهو يملك أن يتحكم بعناصر الطبيعة حوله كيفما يشاء ، بل هو قادر لأن يتحكم في الأجنة قبل خروجها من بطونها ، وفي النبات قبل بروزه من الأرض .

ومن السنن المهلكة انتشار الفاحشة والموبقات في الأرض ؛ حيث لم تعهد البشرية انتشاراً للفاحشة والإعلان بها عبر أجهزة التلفاز والفضائيات والانترنت كما نعهد في عصرنا .

ومن السنن المهلكة أيضاً فتح باب المواجهة بين الحق والباطل ، وهذا ملاحظ حتى أصبح المستهدف الوحيد في الأرض هو المسلم و دينه ورسوله وكتابه ، بل استُدرج كل ملوك الأرض وتناسوا كل خلافاتهم واتفقوا على حرب واحدة لأول مرة على مستوى الكرة الأرضية بأكملها .

2- الإنذارات التي تسبق الهلاك .

هذه بعض السنن المهلكة ، وهناك كثير من الآيات القرآنية الدالية عليها ، ويلحظ أن تجسدها في المجتمع المعاصر قد رافقه بعض الإنذارات الربانية الخفيفة التي تعتبر إرهاصاً بين يدي العذاب الأليم ، وإشارة إلى قربه ، فالمعلوم أنه قبل نزول العذاب الممحق تأتي بعض الإنذارات الربانية من باب الرأفة والرحمة ، وهذه أشار إليها الله سبحانه وتعالى في سورة النحل حيث قال : } أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ { ([21]) فهذه الآية فيها إشارة عجيبة وهي أن حكمة الله سبحانه وتعالى تقتضي أحياناً أن يأخذ القوى الكافرة العظمى على تخوف ؛ والمراد بالتخوف الإنقاص من قدرتها تدريجياً سواء كان ذلك من الناحية الاقتصادية في الغالب أو من الناحية العسكرية والنفسية ، وذلك من خلال تسليط جنود الله التي لا يعلمها إلا هو عليها ، وإنذارات التخوف هذه ملاحظة في عصرنا ، ولكي يتم فهم المراد بها أسوق نموذجاً قرآنياً دالاً عليها وقع مع قوة عظمى في الماضي ، وهي دولة فرعون التي أرسل الله سبحانه وتعالى عليها بعض الآيات كإنذار قبل العقوبة الماحقة ، يقول الله سبحانه وتعالى : } فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ{ ([22]) فهذه الآيات ابتلي بها قوم فرعون ، وكانت بمثابة إنذار لهم ، وهذه الإنذارات أو الآيات نراها بأم أعيننا تصيب القوى العظمى وغيرها من دول الكفر أو الظلم ، فالأعاصير المتكررة وموجات الجفاف ، والأمراض الماحقة في الزراعة والحيوان والطير والإنسان ، فالعالم ابتلي بالإيدز ، و الغرب ابتلي بجنون البقر وانفلونزا الخنازير ، والشرق بأنفلونزا الطيور ، والأمراض الثلاثة السابقة في الإنسان والطير والحيوان تعتبر من باب الآيات حقاً فنحن في عصر العلم ، وعصر الثقة العمياء للإنسان بقدراته ، وبالرغم من ذلك هناك من الأمراض المهلكة التي أعجزت البشرية وحارت في فهم أسرارها ، وأثقلت ميزانية الدول بتكاليف باهظة ، وهذا هو معنى قول الله « يأخذهم على تخوف » .

وهذا يهيج سؤالاً في هذا المقام وهو ماذا ستؤثر تلك الأمراض على الدول العظمى الظالمة ؟ ولماذا لم يكن هناك عقوبة رادعة قوية لهم على كفرهم وضلالهم .

وللإجابة على هذا السؤال أقول :كم سيؤثر القمل على دولة عظمى كدولة فرعون ؟ وبالرغم من ذلك اعتبره القرآن آية من الآيات لما فيه من تنغيص لحياة أهل الباطل وإنذار لهم .

وهذه سنة ربانية تساق دائماً قبل العذاب ووجه الحكمة فيها أن طبيعة العذاب الرباني أنه شامل وممحق و أليم ومباغت ، لذا ناسب الأمر أن يكون له بعض الإرهاصات المحذرة من باب الرأفة والرحمة كما صرحت الآية في سورة النحل .

لذا الأعاصير تأخذ جانباً من اقتصاد الدول العظمى وتنغص عليها حياتها التي ترنو إليها ، وكذلك جنون البقر والإيدز وغيره من الأمراض لها نصيب ، وللحتباس الحراري نصيب ، فإن لم يكن لهذه الإنذارات صدى في قلوب هؤلاء ، وازدادوا غروراً وعنجهية ، عندها يرتفع مستوى الإنذار إلى درجة أعلى ليعصف بموجة قاتلة مسومة في متنفس المترفين في الأرض ، وفي لحظات يأكل البحر قرابة النصف مليون إنسان في مناطق السياحة والترف في شواطئ جنوب شرق آسياً ، والحكمة من ذلك هو « لعلهم يرجعون – لعلهم ينتبهون إلى أن هناك قوة حقيقية مهيمنة على الكون كله وبيدها مقاليد كل شيء » فإن لم يحصل الارتداع ، عندها يصدق فيهم قول الله سبحانه وتعالى « وما ظلمناهم ولكن أنفسهم كانوا يظلمون . » ويكونون أقرب شيء من سطوة ربانية عظمى مباغتة لهم ، ومن حكمة الله أن سطوة العقاب تأتي لحظة فرح وثقة واستهزاء بأهل الحق وشعور بالقدرة المطلقة وإحساس بالأمن . (_ )

3- توجيه القول في قرينة السنـن الربانية ووجه علاقتها بالحدث الكوني .

أعلمُ أن هذه القرينة بالذات تعتبر أكثر القرائن غموضاً لتعلقها بأسرار السنن الربانية في تصريف الصراع بين الحق والباطل ، وهي كما ذكرت تحتاج إلى مجلد ضخم لتجليتها وتوضيحها ؛ لذا أفتح المجال للقارئ الحبيب لكي يتدبر الآيات التي تبرز تلك السنن وليقارنها بالواقع المعاصر ، وليدرك في أي المراحل نحن منها ، وليعلم القارئ أن آيات الله واضحة وصريحة لكن تحتاج لدراسة استقرائية تأملية يستطيع أهل الفهم من خلالها معرفة طبيعة هذه المرحلة ، وتصور نوعية العقوبة المتوقعة للأرض .

وهذه القرينة في ظني بالرغم من غموضها إلا أنها أقوى القرائن على حدوث حدث كوني يعصف بالكرة الأرضية جميعاً ، وهذا أوضحه في العناصر التالية :

1- الملاحظ أن كل سنن الهلاك موجودة في عصرنا وبشكل صارخ قد يغفل الكثيرون عن الانتباه له .

2- يلاحظ أن أهل الباطل على وجه الكرة الأرضية كلهم قد استدرجوا للصراع مع أهل الإسلام أو الدين الإسلامي بجميع معالمه على وجه الخصوص ، وهذا أمر

غريب وفيه إشارات عجيبة .

3- نلاحظ أن تضييق الخناق الوحيد في الكرة الأرضية كلها هو فقط على المسلم على وجه الخصوص .

4- يلحظ أن أكـثر المؤتمرات والمؤامرات في الأرض هي للكيد بأهل الإسلام ودينهم .

5- يلحظ أن العالم كله متواطئ ومشارك في جرائم تشريد وقتل وتضييق على المسلمين في الأرض .

6-يلاحظ أن أهل الترف أيضاً قد دخلوا مضمار الشر بأوسع أبوابه لإشاعة الفاحشة والمنكرات في الأرض كلها ، وما زالت جهودهم بازدياد .

7-يلاحظ أن الكرة الأرضية في العصر الحاضر قد اختلفت عن الماضي حيث أشبهت القرية الكونية أكثر من كونها أراضي مترامية الأطراف ، وأصبحت الأمراض القلبية والروحية متشابهة ومتجذرة في أكثر مناطقها .

8- يلاحظ أن إنذارات الهلاك والتي يأخذ بعضها شكل الآيات قد عمت الكرة الأرضية كلها وبنسب متفاوتة مما يوحي بقرب العقوبة وعمومها .

المحصـلة

الملاحظ على الكرة الأرضية كلها أنها أصبحت كتلة واحدة تتضمن معاصي متشابهة ، ومكر واحد وحرب واحدة ومستهدف وحيد وإنذارات متشابهة ، وهذا لأول مرة بهذا الشكل في كامل الكرة الأرضية بما يوحي أن العقوبة ستكون واحدة للجميع ولكن بنسب متفاوتة ، وتكون هذه العقوبة متنفساً للدين الإسلامي لينطلق في عالميته الثانية .

ونموذج عهد نوح عليه السلام في أول البشرية يشهد لذلك فلما كان الصراع واحداً على الأرض ناسب الأمر أن تكون العقوبة شاملة بالطوفان .

وفي آخر البشرية في عصرنا لما تحولت الصراعات الأرضية إلى صراع واحد موجه نحو أهل الرسالة في الأرض ناسب ذلك أن تكون العقوبة أشبه بطوفان قوم نوح ، ولكن بشكل آخر ، وهو آية الدخان لتنهي صفحة بالية من البشرية وتفتح أخرى ممهدة للعالمية الثانية للإسلام وليست منشئة لها .



([1]) أخرجه مسلم برقم 2899[ انظر مسلم بشرح النووي ( 9/ 222) ]

(_ ) الأصل في الكلام أن يحمل على ظاهره ، و تأويل أي نص لا بد له من ضرورة تلجئ إليه لأن الأخذ بالظواهر أسلم ، والضرورة المبيحة لنقل اللفظ من معناه الظاهري إلى غيره هي وجود مانع حقيقي يمنع من حمل النص على ظاهره ، إضافة إلى وجود قرائن مؤيدة للمعنى المؤول دون الحقيقي ، والملاحظ في مسألتنا هنا أنه لا مانع من حمل النص على ظاهره والقرائن المتعددة تؤيد المعنى الحقيقي دون المؤول ، بل المانع الوحيد في نظر الذي يدعيه البعض هو استبعاد تصور فناء التكنولوجيا المعاصرة لأن العلم تراكمي ، وهذا مانع وهمي سيتم مناقشته .

([2]) أخرجه مسلم برقم 2897 [ مسلم بشرح النووي ( 9/219) ]

([3]) أخرجه البخاري برقم 2852 [ البخاري مع الفتح ( 6/66) ]

([4])أخرجه ابن ماجة بطوله برقم 4077 ( 2/1359) ؛ وأبو داود مختصراً برقم 4300 ، وقال شارحه : » أما إسناد المؤلف حديث أبي أمامة فصحيح ، ورواته كلهم ثقات [ عون المعبود ( 11/449 وما بعدها ) ] ؛ والحديث صححه الألباني برقم 13833 [ صحيح الجامع وضعيفه ( 1384) ] .


([5]) أخرجه ابن ماجة برقم 4079 ( 2/1363) ؛قال العدوي : حسن [ الصحيح المسند ( 534) ]

([6]) أخرجه ابن ماجة برقم 4076 ( 2/1359 ؛قال العدوي : صحيح[ الصحيح المسند ( 538) ]

([7]) النحل: من الآية43

(_ ) الإسرائيليات تشمل كتب الأمم السابقة ؛ أي كتب اليهود والنصارى ، وإنما سميت إسرائيليات من باب التغليب ، وهي ثلاثة أقسام : الأول ما ثبت في شرعنا صحته ، وهذا القسم يجوز روايته والاستشهاد به وكذلك لإقامة الحجة عليهم من كتبهم ، القسم الثاني : ما ثبت في شرعنا أنه كذب كمطعنهم في الأنبياء ونحوه ، وهذا لا تجوز روايته ، القسم الثالث : ما لم يثبت لدينا كذبه أو صدقه أو ما هو مسكوت عنه في شرعنا ، وهذا القسم تجوز روايته دون تكذيب أو تصديق له .يقول ابن كثير : « ولسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله ، وهو القسم الذي لا يصدق ولا يكذب .. فنذكره على سبيل التحلي به لا على سبيل الاحتياج إليه أو الاعتماد عليه . » [ البداية والنهاية ( 1/6) ] . قال الشافعي : من المعلوم أن النبي r لا يجيز التحدث بالكذب فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه ، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم . » [ فتح الباري ( 6/575) ] والمسألة التي طرحتها في القرينة هنا إما تدخل في القسم الأول أو الثالث ، والقسمان يجوز الرواية فيهما .

([8]) إنجيل متى ، الإصحاح الرابع والعشرون [ الكتاب المقدس ، العهد الجديد ( 44) ]

([9])إنجيل لوقا ، الإصحاح الواحدوالعشرون [ الكتاب المقدس ، العهد الجديد ( 135 وما بعدها ) ]

([10]) إنجيل مرقس ، الإصحاح الثالث عشر [ الكتاب المقدس ، العهد الجديد ( 80 وما بعدها ) ]

(_ ) الوضع الطبيعي تسمية المكان المقدس باسم فيه تفاؤل ، أما تسميته باسم الخراب فهذا أمر غريب ، ولعل اليهود بهذه التسمية يريدون استغلال المدرسة الإنجيلية المهووسة بعلامات النهاية ونزول عيسى ، فالتسمية دينية لها مآرب سياسية خبيثة ، وكأن اليهود بذلك يوحون للنصارى الإنجيليين بأن نزول عيسى قد اقترب وها هي إرهاصات نزوله تتحقق واحدة تلو الأخرى ، وعلى هذه المدرسة أن تضاعف من دعمها لليهود الذين يعجلون بقرب البشارات ، وبقرب الملحمة الفاصلة التي ينزل في نهايتها عيسى عليه السلام .

([11]) سفر يوئيل الإصحاح2 الفقرة 11، والفقرة 21-22[ الكتاب المقدس،العهد القديم ( 1200وما بعدها )]

([12]) سفر عاموس الإصحاح 8 فقرة 10[الكتاب المقدس ، العهد القديم ( 1211) ]

([13]) سفر حزقيال ، الإصحاح 32 ، فقرة 7-8 [الكتاب المقدس ، العهد القديم ( 1227) ]

(_ ) خلال تتبعي لما يعرف بالكتاب المقدس بعهديه الجديد والقديم ، وجدت أن هذا الحدث بالذات قد تكرر بنفس الوصف تقريباً عدة مرات في العهد القديم وفي أسفار متعددة ، ومجموع هذه النصوص تحكي عن غضب إلهي على البشرية التي حادت عن طريق الصواب ، وبعض النصوص تصف الحدث بأنه أشبه بطوفان نوح من حيث كونه عقوبة عامة تأثرت بها كل البشرية في عهد نوح عليه السلام ، وبعض النصوص تصرح بأن هذا اليوم يتميز بالغيم والضباب وأعمدة الدخان الصاعدة التي تحجز ضوء الشمس والقمر ، وبعضها يصرح بتغيرات جيولوجية بزوال جبال أصيلة ، وبعضها يصرح بجفاف نهر الفرات في تلك المرحلة على وجه الخصوص ، وبعضها يتحدث عن قحط شديد ومجاعة عنيفة ، يعقبه عودة النبات والأنهار والينابيع للصحراء والبرية ، وهذه النصوص على كثرتها لم أشأ أن أثقل كتابي بها مما يشتت فكرته الأصيلة التي اقتصرت على بيان علامات الساعة من أصولها المعتمدة لدينا ، لكن وجود نفس الفكرة في أسفار متعددة وفي حقب تاريخية مختلفة وأنبياء متعددين وتحكي عن حدث واحد قد يعطي مصداقية لوقوع هذا الحدث فهو أشبه بقول النبي r أنه ما من نبي إلا أنذر قومه الدجال ، وهذا الحدث على وجه الخصوص مرتبط بمرحلة الدجال ، فقد تكون هذه من إنذارات أنبياء بني إسرائيل لأقوامهم

([14])هود:43

(_ ) مصطلح ابن الإنسان من مصطلحات أهل الكتاب ، وقد ذكر هذا المصطلح في سفر دانيال بما لا يحتمل إلا أن يكون المراد به هو عيسى r ، والنص يشير إلى نزول عيسى r : وفيه : « كنت أرى في رؤى الليل فإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان أتى وجاء إلى قديم الأيام فقربوه قدامه » [ سفر دانيال ، الإصحاح السابع ، الفقرة 13 ]

([15]) أخرجه عبد الرازق في مصنفه ، ونعيم في الفتن ، وقال عنه البستوي : إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات [ البستوي : المهدي المنتظر ( 220) ]

([16]) الأحزاب:62

([17]) الفتح:23

([18]) الاسراء:77

([19]) فاطر:42، 43

([20]) الغزالي : كيف نتعامل مع القرآن ( 53 وما بعدها )

(_ ) هذه بعض الآيات الدالة على بعض السنن المهلكة : } وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً { [ الكهف:59 ] } وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً { [الاسراء: 16]} بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ { [الأنبياء:18]} قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ { [ النحل:26 ] } وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . { [ يونس 24 ] } وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ، فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ، فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ . { [ الشعراء : 52-59]} فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَـمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ { [ فصلت الآية 15 ]

([21]) النحل:47

([22]) ا لأعراف:133

(_ ) راجع الآيات التي تحكي اللحظات الأخيرة لقوم نوح عليه السلام ، حيث كانت مليئة بالاستهزاء من نوح الذي يبني سفينته في الصحراء ، أما آخر ليلة في قوم لوط عليه السلام فكانت ليلة فرح عظيم واستبشار = =بهؤلاء الغلمان الذين حلوا ضيوفاً على لوط عليه السلام ، أما اللحظة الأخيرة لقوم عاد فكانت تلك الغيوم التي تبشر بمطر عظيم بعد القحط الذي أصابهم .

انتهى البحث بحمد الله 

بحث عجيب ومتكامل آية الدخان والنيزك وأول علامات النهاية الحلقة 4

السلام عليكم
في المبحث الثالث
يزداد العمق والربط بين العلامات الصغرى وعلامة الدخان
ويكشف اللغز الذي حير كل أصحاب منتديات الفتن
هنا نحتاج مزيد من التأمل لنكون على دراية في كيفة تحولنا من العلامات الصغرى إلى الكبرى
وكيف يمكن تصور الاحداث
مع العلم البحث عمره ثماني سنوات
أترككم الان للتفكروا من خلال هذا المبحث
وليجيب على كثير من الأسئلة التي أرهقت الكثيرين
ويجيييييييييييييييييب على كثير من الرؤى
علامات أخرى يحتمل أن تكون

مترتبة على وقوع حدث كوني

هذه بعض العلامات المستقبلية التي لم يتم تحديد المراد بزمن وقوعها ، ولكن يتوقع أن يكون لها علاقة بالحدث الكوني ؛ خاصة أنها تتضمن قرائن عدة تعزز من كونها واقعة بعد أمر عظيم أو تغيرات غير معهودة بالكرة الأرضية .

العلامة الأولى : عودة الغطاء النباتي الكثيف لجزيرة العرب .

/ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : } لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا{ ([1])

أقول :

هذا الحديث فيه إشارة واضحة إلى تغيرات طبيعية جوهرية في الكرة الأرضية ،يترتب عليها تغير مناخ الأرض بشكل كلي ؛ إذ لا يتصور وفق فهمنا تصور تحول جزيرة العرب إلى مروج تجري بينها الأنهار إلا إذا كان هناك تغير جذري في المناخ ، والأمر وفق المعطيات المعاصرة غير مستبعد .

كذلك الحديث فيه دلالة على أن الجزيرة العربية في العصور الساحقة كانت مروجاً وأنهاراً ، وقرينة ذلك استخدام لفظة » تعود « الدالة على رجوع الشيء إلى سابق عهده الذي كان عليه ، ويعزز ذلك المعنى ما وجد في جزيرة العرب من بحيرات بترولية تحته ، والتي يرى العلماء أنها تكونت بسبب تحول مواد عضوية لحيوانات ونباتات مما يشير إلى وجودها بكثرة في ذلك المكان في الماضي .

ولفظة تعود تشير إلى ما ذكرت ، ولو كان المعنى غير ذلك لاستخدم النبي r كلمة تتحول الدالة على تغير شيء عن سابق عهده .

ورأيت لبعض الشراح خاصة المعاصرين من يرى أن هذه العلامة يراد بها ما نراه من كثرة الآبار ومن العمران الموجود في الجزيرة ، ويتعسف القول بتحليلات لا تسلم منها إسقاط الحديث على محاولات حكومات الجزيرة العربية لتحويل مجرى نهري من العراق أو غيرها أو جر جبل جليدي إلى الجزيرة العربية ..إلخ

والملاحظ أن هذه التحليلات متعسفة ، والحديث نفسه يتضمن قرينة مانعة من الأخذ بها ؛ إذ يتصور نتيجة لجر جبل جليدي أو تغير مجرى نهر أن تكون بعض المروج مع بعض الجداول في بعض المناطق ، لكن الحديث أشار إلى تحول أرض العرب بأكملها إلى مروج وأنهار (_ ) ، وهذا السياق لا يتفق مع تلك التحليلات ، والذي حمل البعض عليها هو صعوبة تصورهم لأمر ألفوا غيره ؛ وهو تلك الصحراء القاحلة كيف تتحول إلى بساتين وأنهار .

وفي تصوري أن ما ألفه الإنسان من ثبات نسبي في المناخ والطبيعة ليس على إطلاقه ، وتاريخ الكرة الأرضية يشهد لتغيرات جوهرية وقعت بها فمن عصر جاف إلى عصر مطير إلى عصر جليدي ، وهذه التغيرات غير بعيدة عن الكرة الأرضية .

وأي تحول في مسار الكرة الأرضية ، أو انحراف مغناطيسي لها ، كفيل بإذابة القطبين ، وتغيير المدارات وخطوط العرض ، ومثل هذا التغير ليس مستبعداً ، فالأمر كله بيد الله سبحانه وتعالى ، وما ألفه الإنسان لا يبقى على حاله ، و التنبؤات العلمية الصادرة هنا وهناك لعلماء فلك أو مناخ أو طبيعة ، يتصورون مثل هذا الأمر .

وجه علاقة هذه العلامة بآية الدخان والحدث الكوني المترتب عليها :

الحديث يشير إلى تغير غير معهود أو حتى غير متصور في ظل منظومة السنن الكونية الحالية ، لكنه يتصور حال تغير هذه المنظومة ، وتغير المنظومة كاملة لا بد أن يكون نتيجة لحدث جلل يعصف بالكرة الأرضية ويؤثر عليها على وجه العموم ، وهذا يبرز لنا وجه العلاقة بين هذه العلامة وبين الحدث الكوني ، حيث إن ضرب كسف للأرض كفيل بتغيير كل القوانين التي تحكم مناخها ، بما يترتب عليه تغير جذري في كل ما نعهده الآن ، و دخول الأرض في دورة مناخية جديدة لها سننها المغايرة عما سبق الحدث، ومن هذه التغيرات المترتبة على منظومة السنن الجديدة ما يقع للجزيرة العربية من عودة مناخها القديم المطير، وما يترتب على ذلك من جريان الأنهار وانتشار الغطاء النباتي

العلامة الثانية والثالثة : فناء كبير يعقبه اضطراب جيولوجي في صفائح الأرض .

/ - عن عبد الله بن حوالة t قال : قال لي رسول الله r : } يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنَ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ . { ([2])

/- عن سَلَمَةُ بْنُ نُفَيْلٍ السَّكُونِيُّ قَالَ : قال رسول الله r : }.. بَلْ تَلْبَثُونَ حَتَّى تَقُولُوا مَتَى ؟ وَسَتَأْتُونَ أَفْنَادًا يُفْنِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَبَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مُوتَانٌ شَدِيدٌ وَبَعْدَهُ سَنَوَاتُ الزَّلَازِلِ . { ([3])

شرح :

هذا الحديثان يشيران إلى علامتين قد يكون لهما علاقة بنزول كسف من السماء ، وهما :

العلامة الأولى : الموت الشديد :

الحديث فيه إشارة إلى حصول موت شديد في الأرض ، وقد عبر عنه الحديث بعبارة الموتان (_ ) الشديد بين يدي الساعة ، وهذا الوصف يتناسب مع ما ذكره علماء الفلك من توقعاتهم أن الساعات أو الأيام الأولى من نزول نيزك يترتب عليه موت ملايين البشر ، ثم يعقب ذلك أوبئة وقحط ومجاعة تأكل العدد الأكبر من البشرية ، وهذه الأوصاف تتفق من حيث المحصلة مع قول النبي r موتان شديد .

وهذا الموتان هو غير الموتان الذي جاء ذكره في حديث سابق ذكرته في الفصل الأول من الكتاب ؛ لأن الموتان السابق لم يوصف بكونه شديداً ، و صيغة الحديث السابق أنه خاص بأمة محمد r أو بالصحابة من الأمة على وجه الخصوص ، ومن أوصافه أنه يأخذهم كقعاص الغنم مما يشير إلى أنه وباء ، وقد سبق اعتباره دالاً على طاعون عمواس .

أما الموتان هنا ، فهو بين يدي الساعة ، وهو عام ، لا يخص أمة محمد r ، وشديد يهلك بسببه جمع عظيم ، و ارتبط بعلامة بعده مباشرة ، وهي سنوات الزلازل

وقد يكون هذا الفناء أو الموت هو الذي ورد ذكره في حديث أَبِي ذَرٍّ t حيث قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : } كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ وَمَوْتًا يُصِيبُ النَّاسَ حَتَّى يُقَوَّمَ الْبَيْتُ بِالْوَصِيفِ يَعْنِي الْقَبْرَ قُلْتُ : مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ أَوْ قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : تَصَبَّرْ قَالَ : كَيْفَ أَنْتَ وَجُوعًا يُصِيبُ النَّاسَ حَتَّى تَأْتِيَ مَسْجِدَكَ فَلَا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى فِرَاشِكَ وَلَا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ . قَالَ : قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ أَوْ مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ قَالَ عَلَيْكَ بِالْعِفَّةِ .. . { ([4])

فالأثر السابق يشير إلى موت وبائي واسع يصيب أكثر الناس لدرجة أن البيوت يصبح لا قيمة لها لقلة ساكنيها فيشترى العبد بثمن البيت ، والمعلوم أن ثمن أي بيت أغلى بكثير من ثمن العبد ، وهذه حالة استثنائية تتغير فيها الأحوال وتكثر فيها البيوت الخاوية من أهلها بسبب هذا الموت بحيث لا يصبح لها قيمة لدرجة أن ثمن العبد يوازيها لأن نفعه في تلك المرحلة يكون أكثر من نفع تلك البيوت ، وهذا إشارة إلى تفشي الموت وكثرته ، وكثرة من يصاب به ، والتعبير في النص بأن الموت يصيب الناس قد يفيد العموم (_ ) ؛ أي كل الناس : عربهم وعجمهم ، مسلمهم وكافرهم .

كذلك نلحظ أن العلامة الثانية تشير إلى جوع شديد يصيب الناس لدرجة يمنع الناس من الحركة القليلة لشدة الجهد وهوان الجسم بسببه ، وقد يكون هناك رابط بين الجوع الشديد المذكور في هذا الحديث ، وبين القحط العظيم الذي ذكره النبي r في أحاديث أخرى سبق أن شرحتها في المبحث السابق .

ودلائل بعض روايات الحديث تشير إلى أن أهل المدينة المنورة سيصيبهم من هذا الجوع والموت ، وهذا الحدث بهذا التوصيف غير المعهود لم يقع بعد ، ولم تعهد مثله المدينة المنورة ، أو غيرها بنفس الوصف ، فلعله المقصود بحديث الموتان الشديد وبحديث القحط الشديد والسنة يفسر بعضها بعضاً .

العلامة الثانية : سنوات الزلازل .

- هذه العلامة تتعلق مباشرة بأمرين : الأول : الموتان الشديد ؛ حيث تكون بعده مباشرة ، والثاني نزول الخلافة بيت المقدس ،حيث تكون إما مواكبة لها أو قبلها بقليل كما صرحت بعض الآثار أو خلالها كما صرح الحديث السابق ، وخلافة بيت المقدس لها علاقة بالعالمية الثانية للإسلام في عهد المهدي t .

- المراد بسنوات الزلازل ، سنوات معينة تضطرب بها الأرض بصورة ملحوظة ، بحيث يصدق عليها هذا الوصف ، وهذه السنوات لم تأت بعد ، وفيها إشارة إلى اضطراب غير معهود في الكرة الأرضية ، وليس كما يدعي البعض من أننا نعيش الآن زلازل عدة يصدق فيها هذه العلامة ؛ لأن ما نعيشه ، وما عاشه أسلافنا في السابق من زلازل هي حالة طبيعية في الكرة الأرضية ، لا يصدق فيها القول أنها غير معهودة ، وطبعاً حديثي من اعتبار الزلازل حالة طبيعة لا يعني نفي كونها رجفات عذاب ، إنما قصدي أن هذه الظاهرة في عصرنا لم تأخذ شكلاً غير معهود يصدق فيه الوصف بأنها سنوات زلازل .

والمعنى الطبيعي المتبادر لنا من قول الرسول r هو أن هناك سنوات مخصوصة تكون الأرض فيها غير مستقرة بأهلها ؛ بحيث يكثر اهتزازها ، و تزلزلها بشكل غير معهود ، والسؤال الذي يطرح هنا : ما هو الحدث الذي سيؤثر على الكرة الأرضية أو صفائحها الصخرية .

- الملاحظ من الحديث الأول أن هناك علاقة بين الزلازل والأمور العظام ، وبين نزول الخلافة بيت المقدس ، وفي الأحاديث السابقة كان هناك ربط بين خروج المهدي وعلامة في السماء ، مما يشير إلى أن هناك علاقة بين الأمور الثلاثة السابقة ، ويكون الترتيب ، نزول كسف من السماء يخل بجيولوجيا الأرض ويؤثر على صفائحها الصخرية ، موتان عظيم ، تغير في حال البشرية وموازين القوى ، انتشار القحط والهرج ، خروج المهدي ، نزول الخلافة بيت المقدس ، تزلزل الأرض واضطرابها ويعزز ما ذكرت هذا الشاهد عن أي سعيد الخدري t قال : قال رسول الله r : } أُبَشِّرُكُمْ بِالْمَهْدِىِّ يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِنَ النَّاسِ وَزَلَازِلَ فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا . { ([5])

فهذا الأثر يعزز ما ذكرت في الربط بين الزلازل وبين خروج المهدي ، ويكون المراد بنزول الخلافة بيت المقدس في سنوات الزلازل ما يكون في عهده t ، أما الاختلاف بين الناس فله علاقة بعلامة الهرج السابق بيانها والتي يشتد أوارها عند حسر الفرات .

العلامة الرابعة : تقارب الزمان .

/ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : } لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ الْخُوصَةُ . { ([6])

هذه العلامة سبق شرحها ، وخلصت هناك إلى نتيجة ، وهي أن تقارب الزمان على حقيقته ، وليس مجازياً (_ ) ، مما يشير إشارة صريحة إلى أن هناك اضطراباً ملحوظاً سيطرأ على حركة الكرة الأرضية ، ويسرع فيها حالة الدوران .

و وفق مستجدات العلم يمكن تصور ذلك في حال اضطراب حركة الأرض حول نفسها وحول الشمس ، وهذا الاضطراب غير متزن أي لا يكون على نسق واحد ، فتسرع الأرض في دورانها حول نفسها ، وتسرع أيضا في دورانها حول الشمس ، فبدلاً من أن تدور الكرة الأرضية حول الشمس ،مرة كل اثنا عشر شهراً ، تقضي هذه المسافة في شهر واحد .

وفي ظني أن النبي r ذكر هذه النسب للتقريب وليس للتحديد ؛ أي أراد النبي r أن يبين للصحابة تغير النسب الزمنية للوقت ، فجاء بمثال يقرب المعنى ، حيث قـال

السنة كالشهر والشهر كالأسبوع ..إلخ

وإذا ربطنا هذه العلامة بما يقع في زمن الدجال ؛حيث يكون يومه الأول كسنة ويومه الثاني كشهر أصبح عندنا تصور إلى أن آخر مراحل اضطراب الكرة الأرضية يكون في عهد الدجال ؛ أي أن الكرة الأرضية في بادئ الأمر ونتيجة لأمر كوني تسرع في دورانها حول نفسها وفي دورانها حول الشمس ، ثم تأخذ بالبطء في دورانها حول نفسها ، فتكمل دورتها الأولى في سنة كاملة (__) ، و دورتها الثانية في شهر ، ثم تبدأ في العودة التدريجية لوضعها الطبيعي ، وتبدأ بالاتزان .


علاقة تقارب الزمان بالحدث الكوني .

الحقيقة أنه ليست لدي قرائن قوية تبرز طبيعة المرحلة الزمنية لهذه العلامة ؛ إلا أن هناك قرائن محتملة تعزز من ارتباط هذه العلامة بحقبة الحدث الكوني ، لعل أهم هذه القرائن هي طبيعة هذه العلامة ؛ حيث إن لها علاقة بتغير جوهري بحركة الأرض ، وهذا لا يتصور إلا إذا كان هناك حدث عظيم جوهري أثر فيها .

والقرينة الثانية هي أن هذه العلامة تشير إلى تقارب الزمان ، وفي مرحلة الدجال أشار النبي r على تباعد الزمان ، وتضمن الحديث الخاص بذلك عن الدجال على قرائن تؤكد على أن تباعد الزمان على حقيقته ، والمعلوم أن آية الدخان وآية الدجال من الآيات العشر والعلامات العظام ، وقد سبق بيان التلازم بينهما ؛ حيث وصلت إلى نتيجة وهي أن الدجال يكون بعد آية الدخان ، والمعلوم أن أول مرحلة الدجال تتميز بتباعد الزمان مما يشير إلى أن هناك اضطراباً في حركة الأرض ، وهذا يعزز أن يكون قبل خروج الدجال تقارب الزمان لنفس السبب الذي أثر على حركة الأرض .


العلامة الخامسة : حسر الفرات عن جبل من ذهب :


/ - عن الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ : كُنْتُ وَاقِفًا مَعَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ : لَا يَزَالُ النَّاسُ مُخْتَلِفَةً أَعْنَاقُهُمْ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا قُلْتُ : أَجَلْ ! قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : } يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَإِذَا سَمِعَ بِهِ النَّاسُ سَارُوا إِلَيْهِ فَيَقُولُ مَنْ عِنْدَهُ : لَئِنْ تَرَكْنَا النَّاسَ يَأْخُذُونَ مِنْهُ لَيُذْهَبَنَّ بِهِ كُلِّهِ . قَالَ : فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ .{([7])

/ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : } لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو{ ([8])

/ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : } يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا { ([9])

شرح :

أولاً : المعنى العام المتبادر لحسر الفرات :

- الفرات نهر معروف في العراق ، وهذا النهر له نصيب في علامة من العلامات الهامة للساعة ، وكما بين الحديث أن الفرات سينحسر ماؤه ، و الحسر في أصل اللغة الانكشاف ، وإذا استخدم مع الماء أو البحر يراد به أن الماء نضب حتى بدا ما تحته من الأرض . ([10])

أما كلمة جبل فهي في لغة العرب اسم لكل وتد من أوتاد الأرض عظم وطال

من الأعلام أما ما صغر وانفرد فهو من الأكم والقور . ([11])

يُفهم من معنى كلمتي الحسر والجبل وفق السياق أمران :

الأمر الأول :

الفرات ، هذا النهر العظيم سينضب ماؤه بصورة غير معهودة لدرجة أن الطين يبدو في قاعه (_ ) ، أو يكاد أن يبدو فيظهر للناس بعد انكشاف الماء كنز كبير جداً من الذهب وصفه النبي r بالجبل من باب الكناية الدالة على كثرته ، ومن معاني مادة جبل الكثرة ، وبالتالي تكون لفظة جبل هنا من باب المعنى المجازي ،ولا يراد بها جبل حقيقي يبرز له قمة وارتفاع على وجه الأرض .

الأمر الثاني :

يراد بالحسر هنا المعنى الأصلي وهو الانكشاف ، وليس نضوب الماء ، بل الذي يحصل هو تحرك في طبقات الأرض يترتب عليها بروز جبل عظيم من الذهب في وسط ماء الفرات ، وهذا الوجه من الفهم يتفق والمعنى الحقيقي لكلمة الحسر والجبل .

وكلا المعنيين السابقين يحتمله سياق الحديث ، ولكل قرائن دالة عليه .

ثانياً : آراء المعاصرين في حسر الفرات.

اختلفت تصورات المحدثين في المراد بالجبل والمقصود بالحسر ، أبينها في التالي :

1- المراد بجبل الذهب البترول :

يرى بعض المعاصرين أن جبل الذهب يراد به البترول ، ومقصود الحديث وفق تصورهم أن الفرات يكشف عن بحيرة عظيمة من البترول ، وهذا احتمال بعيد جداً

للأسباب التالية :

أ‌- لفظة جبل الدالة على كنز الفرات لا يتناسب استخدامها للدلالة على مادة سائلة كالبترول حتى من الناحية المجازية ، والأولى منها كلمة بحر ، أو بحيرة .

ب‌- سياق الحديث الذي استخدم لفظة الانحسار للنهر تشير إلى أن هناك علاقة بين

نضوب الماء وانكشاف جبل الذهب ، وهذا السياق لا يتناسب وطبيعة اكتشاف البترول الذي يمكن معرفته والتنقيب عنه في أعماق البحار ، فلا تحتاج معرفته واكتشافه نضوب الماء وانحساره .

ت‌- الواقع يشهد لضعف هذا الاحتمال ، فسياق الحديث يشير إلى كنز عظيم يتبدى في نهر الفرات يقتتل عليه الناس مما يعزز خصوصية هذا الكنز في هذا المكان من ناحية ، ومن ناحية أخرى دلالة السياق تشير إلى عدم وجود كنوز شبيهة به في أماكن أخرى وإلا لما اجتمع الناس عليه بخصوصه ، أما البترول فقد تم اكتشافه في أماكن عدة وبكميات كبيرة في الجزيرة العربية والعراق ، وبالتالي اكتشافه في نهر الفرات لا يعطيه خصوصية مميزة مهيجة للاقتتال عليه .

ث‌- دلائل السياق تشير إلى مرحلة مغايرة لما نحن عليه الآن ، فعصرنا تنوعت فيه الكنوز وأهمها البترول الذي يكنى بالذهب الأسود ؛ لذا وجود جبل من ذهب مهما كان حجمه في عصرنا لا يعتبر اكتشافاً مميزاً ، فاكتشافه أشبه بعصرنا باكتشاف حقل بترول في موضع ما ؛ لذا أتصور أن مرحلة ظهور جبل الذهب سيكون في مرحلة يعز فيها الذهب ، ويقل المال ؛ بحيث يكون ظهوره مهيجاً لمقتلة عظيمة بين الناس ، ولعله يكون في مرحلة شدة وقحط ونضوب في الخيرات .

ج‌- سياق الحديث يشير إلى أن كل واحد يستطيع أن يأخذ منه ، وذلك في قول الرسول r : » فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا « فكل فرد يحضر عند هذا الكنز يستطيع أن يأخذ منه ، وهذا متصور في الذهب الحقيقي ، أما في البترول فالأمر صعب إذ إخراجه بما يحقق الانتفاع منه يحتاج إلى دول وشركات ضخمة ، وهذه قرينة قوية صارفة .


2- المقصود بحسر الفرات :

يحاول بعض المعاصرين إسقاط هذا الحديث على عصرنا مبيناً أن انحسار الفرات قد بدأ في عصرنا من خلال بناء السدود عليه في تركيا مما يقلل وصول الماء في مجراه في العراق ، ويظن أن الأمر إن زاد عما هو عليه فسيترتب عليه انحسار الفرات . ([12])

وفي ظني أن هذا تعسف في حمل الحديث على غير محمله ، فالسدود لن تمنع الماء بالكلية ، وإن كانت تقلل منه ، ودلالة سياق الحديث تشير إلى نضوب ملحوظ في نهر الفرات لدرجة أن الطين ينكشف من تحت الماء ، وهذا غير ملاحظ في زماننا ، وغير متصور بفعل السدود في المستقبل القريب .

ثالثاً : تصور الباحث للمراد بحسر الفرات وطبيعة جبل الذهب وزمانه .

في ظني أن حسر الفرات يكون في مرحلة لاحقة تغيب فيها العقول ويكثر الهرج ، وينتشر القحط ويقل المطر ، وهي نفس المرحلة التي سبق الحديث عنها بعد آية الدخان مباشرة ، وقبل خروج المهدي والدجال بعده ، فالمعلوم أن من علامات خروج الدجال كما بينت الأحاديث السابقة نزف الأنهار أي نضوب مائها ، فهذه المرحلة تتناسب مع مسألة حسر الفرات ، فإذا كانت الأنهار على وجه العموم قد نضب ماؤها ، فكذلك الفرات ، ولكنه يتميز عن غيره بأنه لحظة انحساره يكشف عن جبل من ذهب .

ويحتمل الأمر أيضاً كما بينت سابقاً بأنه تضطرب الصفائح الأرضية وتحصل إنكسارات فيها بعد سقوط الكسف فهي سنوات الزلازل وسنوات تزول فيها جبال عن مراتبها ، فيكون من نتائج ذلك بروز جبل حقيقي في ماء الفرات ، ويكون هذا الجبل من الذهب ، ويحتمل أن تتوافق هذه الانكسارات مع نضوب الماء ، والأمر كله بيد الله سبحانه وتعالى يصرفه كيفما يشاء

والاحتمال الأخير وارد جدا ، وبروزه بهذا الشكل على وجه الماء يكون أكثر تهييجاً للمقتلة العظيمة التي تحصل عنده .


ما علاقة حسر الفرات بالحدث الكوني ؟

قد يتساءل البعض قائلاً : أليس من التعسف هنا ربط حسر الفرات بآية الدخان ونزول كسف من السماء ، خاصة أنه لم يرد في سياق الأحاديث الدالة على حسر الفرات أي قرينة تربط بين الأمرين ، فما هو مستندك في الربط بين الأمرين ؟

نعم هذا تساؤل قد يطرح ، وله وجاهته ، لكن طرحه متصور إذا نُظر إلى حسر الفرات كعلامة جزئية بمعزل عن باقي العلامات ، أما إذا نُظر إلى مجموع الأدلة وسياقها ، فقد تظهر لنا قرائن عدة تعزز الربط بين كل هذه الأحداث ؛ لذا أرى أن أسوق هنا بعض القرائن المعززة لما ذكرت ، وهي لا ترتقي بعملية الربط لدرجة الجزم بها ، إنما تدخل المسألة في حيز الاحتمال الراجح في ظني .

القرينة الأولى :

من نظر إلى سياق الحديث يجد أنه لا يصدق على عصرنا ، وليس قريباً من معطيات العصر وأنظمته ، فسياق الحديث يشير إلى ظهور جبل من ذهب يقتتل عليه الناس ؛ أي ظهوره ليس في عهد الدول التي نعيشها ، بل في مرحلة فوضوية ، يملك فيها كل إنسان أن يأتي الجبل ويأخذ منه ، أما في عرف الدول الحالية فإن اكتشاف أي كنز أو معدن يترتب عليه تأميم الدولة لهذا الكنز وحراسته ، واستخراجه ، والوضع الطبيعي في عرف الدول عند اكتشاف أي معدن أن عيون الناس لا تطمع حتى في التفكير به ، وهذا أمر معلوم .

وهذا العرف الدولي المعاصر لا يتناسب وسياق الحديث الذي يشير إلى مرحلة فوضوية ، يتصور فيها كل إنسان أنه يملك أن ينفرد بهذا الكنز ، أو ينال منه النصيب الأكبر ، وهذه القرينة معززة لكون حسر الفرات لن يكون في ظل الأعراف الدولية المعاصرة ، بل ستكون هناك حالة استثنائية فوضوية تمر بها البلاد على وجه العموم .

القرينة الثانية :

حسر الفرات بهذا الشكل الذي يشير إليه الحديث لم يعهد في الفرات على مر الدهور ، فهو نهر أصيل جاري طول العام ، وماؤه في الغالب غزير ، و الحديث يشير إلى نضوبه ؛ إذا لا بد من تغير مناخي جوهري يؤثر به ، ولاحظنا خلال البحث أن هناك قرائن عدة تربط بين ثلاثة أمور وهي القحط وآية الدخان وخروج الدجال ، وهذه المرحلة من القحط مناسبة لوقوع هذا النزف أو النضوب في ماء الفرات ، وتتفق مع المرحلة الفوضوية الممهدة لخروج الدجال .

القرينة الثالثة :

جاء في حديث أبي هريرة السابق و المتفق عليه أن الفرات يحسر عن كنز بدل جبل ، وورد في رواية عن ابن ماجة الربط بين الاقتتال على كنز وبين خروج المهدي ، فعن ثوبان t قال : قال رسول الله r : } يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةٍ ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ ، ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ فَقَالَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ . { ([13])

فسياق الحديث السابق يشير إلى أن الاقتتال على كنز ما ممهد لخروج المهدي ، وقد جاء التعبير النبوي بصيغة الإضافة الدالة على العهد » كنزكم « ؛ أي هذا الكنز المعهود لديكم والذي سبق إخباركم عنه .

وخلال تتبعي لعلامات الساعة لم أجد تصريحاً نبوياً عن كنز يقتتل عليه إلا كنز الفرات ، أمـا كنز الكعـبة فالذي يستخرجه هو ذو السويقتين الحبشي الذي يهدم الكعبة .

يفهم مما سبق أن الاحتمال قوي في كون الكنز المشار إليه هو كنز الفرات نفسه ، وإذا كان كذلك فيمكننا اعتبار الحديث قرينة قوية في تحديد زمن حسر الفرات

وهو عند ظهور المهدي ، والذي يكون أيضاً قبل خروج الدجال .

وقد أشار ابن حجر إلى هذا الاحتمال بعد ذكره للحديث حيث قال : » فهذا إن كان المراد بالكنز فيه – أي في حديث ابن ماجة – هو الكنز الذي في حديث الباب - أي كنز الفرات - دل عـلى أنه إنما يقـع عنـد ظهور المهدي ، وذلك قبل نزول عيسى r. « ([14])

القرينة الرابعة :


/ - عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ t قال : } كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ ؟ قَالَ : هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي ، وَلَيْسَ مِنِّي وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ . ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً ، فَإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ تَمَادَتْ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ . { ([15])

هذا الحديث فيه إشارة إلى ثلاث فتن عظام تحل بالأمة ، وهي فتنة الأحلاس وفتنة السراء ، وفتنة الدهيماء ، والحديث صريح بأن فتنة الدهيماء هي أقرب الفتن من الدجال وموطئة لخروجه ، فإذا أضفنا لهن الفتنة التي تموج موج البحر ، وهي من الفتن العظام ، أصبح لدينا أربع فتن عظام تصيب الأمة الإسلامية ، وورد عن حذيفة t الإشارة إلى الفتن الأربع بقوله : » وليكونن فيكم أيتها الأمة أربع فتن الرقطاء والمظلمة ، وفلانة وفلانة ، ولتسلمنكم الرابعة إلى الدجال . « ([16])

والذي يعنينا هنا الفتنة الرابعة وهي الدهيماء التي تكون بين يدي الدجال ، ففي هذه الفتنة أو في آخرها يقع حسر الفرات ، فقد ورد عن أبي هريرة أنه قال : » تدوم الفتنة الرابعة اثنا عشر عاماً ، وتنجلي حين تنجلي ، وقد انحسر الفرات عن جبل من ذهب . « ([17])

وفي أثر آخر عن حذيفة t قال : » الفتن ثلاث تسوقهم الرابعة إلى الدجال التي ترمي بالرضف والتي ترمي بالنشف .« ([18])

هذه بعض الآثار الواردة عن الصحابة وفي أثر أبي هريرة ربط بين حسر الفرات و آخر الفتنة الرابعة الممهدة للدجال ، أما في أثر حذيفة فقد جاء التصريح بأن الفتنة الرابعة تتميز بأنها ترمي بالرضف ، والرضف الحجارة التي حميت بالشمس ، أو الحجارة المحماة على النار ، أو هي الحجارة التي يوقد عليها حتى تصير لهباً ([19])

أما النشف فهي حجارة سود كأنها أحرقت بالنار ([20]) ، ويفهم من ذلك أن الفتنة الرابعة يكون فيها رمي أو قذف حجارة ملتهبة كبيرة ، أو سوداء محترقة صغيرة



(_ ) ، وفي نهايتها يكون حسر الفرات .

يتحصل لنا من مجموع الآثار والأحاديث أن الفتنة الرابعة ، وهي الدهيماء يكون خلالها رمي بالحجارة من السماء ، وفي نهايتها يكون حسر الفرات الذي يعقبه خروج المهدي مباشرة ، ثم بعد ذلك يكون خروج الدجال .

ومن خلال القرائن الأربعة السابقة يتضح لنا وجه الربط بين حسر الفرات ، والحدث الكوني الذي يعصف بالكرة الأرضية ، يكفي القول بأن هذه القرائن كلها تعزز قولنا بأن حسر الفرات يكون في نفس المرحلة الزمنية التي يتصور فيها نزول الكسف وآية الدخان وخروج المهدي والدجال بعده .

العلامة السادسة : الخسوف العظمى .

/ - عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ t قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ r عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ ، فَقَالَ : مَا تَذَاكَرُونَ قَالُوا : نَذْكُرُ السَّاعَةَ قَالَ : } إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ r وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ . { ([21])

/ - عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ t قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ r عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ ، فَقَالَ : مَا تَذَاكَرُونَ قَالُوا : نَذْكُرُ السَّاعَةَ قَالَ : } إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَالدُّخَانُ وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الْأَرْضِ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ تَرْحَلُ النَّاسَ { ([22])

/- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صُحَارٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : } لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخْسَفَ بِقَبَائِلَ فَيُقَالُ مَنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي فُلَانٍ . { قَالَ فَعَرَفْتُ حِينَ قَالَ قَبَائِلَ أَنَّهَا الْعَرَبُ لِأَنَّ الْعَجَمَ تُنْسَبُ إِلَى قُرَاهَا ) ([23])

/ - عن عَائِشَةُ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : } يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ قَالَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ . { ([24])

/ -عن عَائِشَةُ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : } عَبَثَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي مَنَامِهِ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتَ شَيْئًا فِي مَنَامِكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ ! فَقَالَ : الْعَجَبُ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَؤُمُّونَ بِالْبَيْتِ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ لَجَأَ بِالْبَيْتِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ قَالَ نَعَمْ فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ وَالْمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ{ ([25])

شرح :

- الحديث الأول والثاني يشيران إلى ثلاثة خسوف عظيمة إحداها بالمشرق والآخر بالمغرب والثالث بجزيرة العرب ، في الرواية الأولى جاء ذكر الخسوف في آخر العلامات وفي الرواية الثانية جاء ذكر الخسوف أول العلامات مما يشير إلى أنها لم تذكر على سبيل الترتيب كما بينت سابقاً .

- تعتبر الخسوف الثلاثة من الآيات العظام ؛ أي لا يراد بها ما نراه من زلازل معهودة تقع هنا أو هناك ، بل يراد بها أحداثاً عظاما جوهرية تؤثر على جوهر الصراع في الأرض ، وإلا لما حسن ذكرها هنا في العلامات الكبرى ، بل لفظة آية تشير إلى أن

هذه الخسوف ستكون من باب الأمور غير المعهودة أو المتوقعة .

- وبالرغم من تسليمنا من أن تلك العلامات ليست مذكورة في الحديث على سبيل الترتيب ، إلا أن الخسوف الثلاثة هنا في أغلب الظن مرتبة ترتيباً زمنياً لأنها تمثل علامة واحدة ، فيكون الخسف الأول بالمشرق ثم يعقبه خسف في المغرب ثم يكون خسف الجزيرة العربية .

- جاء في أحاديث أخرى وصفٌ لخسف عظيم يلحق بجيش يغزو الكعبة ، ودلائل السياق تشير إلى أن هذا الجيش الذي يخسف به هو الجيش الذي يقصد قتال المهدي عندما يلوذ بالكعبة ، ويكون مبعثه من الشام ، فيقع به الخسف العظيم ، و يعتبر هذا الخسف من علامات المهدي الجلية ، والراجح في ظني أن الخسف الذي في جزيرة العرب في عهد المهدي t هو الخسف الثالث في الآيات العظام ، وهذا احتمال قوي .

- وفق هذا الاحتمال الذي أرجحه يكون عندنا تصور للمرحلة الزمنية التي يكون فيها الخسف الثالث والأخير وهي مرحلة خروج المهدي ، وقبل خروج الدجال ، وإذا اعتبرنا كما دللت سابقاً أن آية الدخان قبل الدجال وموطئة له وعلامة من علامات قرب خروجه ، إذا يحتمل الأمر أن يكون الخسفان الآخران إما قبل آية الدخان ، أو بعدها ؛ بحيث يكونا أثراً من آثار آية الدخان التي سبق الربط بينها وبين نزول كسف من السماء ، واستأنس لما ذكرت بما ورد عن كعب أنه قال : » .. والنجم الذي يرمي به شهاب ينقض من السماء ، معها صوت شديد حتى يقع في المشرق ، ويصيب الناس منه بلاء شديد . ([26])

فالأثر الوارد عن كعب يربط بين صوت شديد وسقوط كسف من السماء في المشرق ، وما يترتب على ذلك من بلاء شديد،ولعل الخسف المشرقي مترتب على سقوط هذا الكسف .

العلامة السابعة : خروج أهل المدينة .

/- عَنْ أَبِي ذَرٍّ t قَالَ : أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَنَزَلْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَتَعَجَّلَتْ رِجَالٌ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَاتَ رَسُولُ اللَّهِ r وَبِتْنَا مَعَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَ عَنْهُمْ فَقِيلَ تَعَجَّلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ : } تَعَجَّلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَالنِّسَاءِ أَمَا إِنَّهُمْ سَيَدَعُونَهَا أَحْسَنَ مَا كَانَتْ ثُمَّ قَالَ : لَيْتَ شِعْرِي مَتَى تَخْرُجُ نَارٌ مِنَ الْيَمَنِ مِنْ جَبَلِ الْوِرَاقِ تُضِيءُ مِنْهَا أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بُرُوكًا بِبُصْرَى كَضَوْءِ النَّهَارِ . { ([27])

/ - عن أَبي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قال : رَسُولُ اللَّهِ r لِلْمَدِينَةِ : } لَتَتْرُكَنَّهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ مُذَلَّلَةً لِلْعَوَافِي يَعْنِي السِّبَاعَ وَالطَّيْرَ . { ([28])

/ - عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r} عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ مَنْكِبِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا أَوْ كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ . { ([29])

/ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قال: } لَتُتْرَكَنَّ الْمَدِينَةُ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَتْ حَتَّى يَدْخُلَ الْكَلْبُ أَوِ الذِّئْبُ فَيُغَذِّي عَلَى بَعْضِ سَوَارِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَلِمَنْ تَكُونُ الثِّمَارُ ذَلِكَ الزَّمَانَ ؟ قَالَ : لِلْعَوَافِي الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ . { ([30])

/ - عَنْ حُذَيْفَةَ t أَنَّهُ قَالَ : « أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ r بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ ، فَمَا مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا قَدْ سَأَلْتُهُ ، إِلَّا أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ . » ([31])

شرح :

- هذه الأحاديث الخمسة تتحدث عن خراب المدينة ، وهناك أحاديث أخرى تتحدث عن مثل هذا الخراب سيأتي الحديث عنها في موضع مستقل ، والذي وصلت له بعد البحث أن ترك المدينة إنما يقع عدة مرات ، وليس مرة واحدة ، وهذه الأحاديث تشير إلى أحد هذه الخرجات .

- الشاهد في الأحاديث السابقة أن أهل المدينة سيتركون المدينة وهي أينع ما تكون ، وهذا الترك لا بد أن يكون وراءه سبب قاهر ، وقد جاء في بعض روايات الأحاديث عن أبي هريرة أن الذي يخرج أهل المدينة أمراء السوء ، وهذا التوضيح إنما هو لأحد الخرجات ، وقد حصل مثله في عهد يزيد في وقعة الحرة .

- في حديث معاذ بن جبل t جاء الربط بين أمرين وهما : أن خراب المدينة له علاقة زمنية بعمران بيت المقدس ، وعمران بيت المقدس كما يدل عليه سياق الحديث يراد به نزول الخلافة في عهد المهدي t ، لارتباط العمران بخروج الملحمة ، وهذا يكون في آخر الزمان .

- في حديث أبي ذر إشارة إلى أن خروج أهل المدينة ناجم عن خروج نار عظيمة من جبل الوراق باليمن تضيء أعناق الإبل في الشام ، وذلك كناية عن عظم هذه النار .

- حديث حذيفة الأخير فيه دلالة على أن هذا الخروج لا يراد به ما يقع عند فناء الدنيا ، إنما هو حدث مستقل يطرأ على المدينة المنورة .

محصلة الأحاديث السابقة :

- خروج أهل المدينة وهي أينع ما تكون ؛ ويكون الخروج شامل لكل أهلها ، لدرجة أن ما يبقى فيها من ثمار يكون من نصيب العوافي والسباع ، ويخلو المسجد النبوي من أهله فتسرح فيه الكلاب والذئاب وتبول حتى على المنبر ، وهذا لا يتصور إلا عند حصول ظرف قاهر يمنع أهل المدينة من البقاء فيها منعاً باتاً

- هذا الخروج يقع بعد نزول الخلافة بيت المقدس قبل الملحمة العظمى ، وبالتالي جاء تحديد وقت هذا الخروج ، فلا يراد به ما وقع على أيدي أمراء السوء كما حصل في وقعة الحرة (_ ) ولا يراد به ما يقع في اللحظات الأخيرة للدنيا عند الحشر كما صرحت الأحاديث لبعض الخرجات ، وحديث حذيفة الأخير قرينة واضحة في أن هذا الخروج لا يراد به الخروج النهائي عند فناء الدنيا . و إنما يراد به هنا تلك الخرجة التي تكون عند بداية نزول الخلافة ، وقبيل الملحمة العظمى ، والتي دل عليها حديث معاذ t ، وهذا التوقيت بالذات يجعلنا نربط بينه وبين الأحاديث التي ربطت بين نزول الخلافة بيت المقدس وسنوات الزلازل والأمور العظام ، وما يقع في المدينة هو أحد هذه الأمور العظام .

- جاء التصريح في أحد الآثار بخروج نار من جبل الوراق ، ودلائل السياق تشير إلى أن هناك علاقة بين خروج أهل المدينة وبين تلك الحمم التي يقذفها هذا الجبل ، أو غيره من الفوهات البركانية حول المدينة المنورة وجاءت الإشارة إلى عظم تلك الحمم لدرجة أن لهيبها يضيء ليل بادية الشام ، وهذه الثورة البركانية الهائلة بهذا الشكل غير معهودة حتى في الجبال البركانية النشطة ، فكيف بمنطقة بركانية خامدة كتلك القريبة من اليمن .


ملاحظة :

يشير الدكتور زغلول النجار أن المدينة المنورة محاطة بحوالي 700 فوهة بركانية سجلت ما لا يقل عن 300 هزة أرضية خلال سنة واحدة مما يؤكد أنها لا تزال نشطة ، وبالتالي لا بد لها أن تفور في يوم من الأيام ، وحتمية العلم تؤكد ذلك . ([32])

و الذي أشار إليه د زغلول يقرب لنا تصور ما ذكرت من احتمالية ثورة بركانية عاصفة تؤثر على كامل المدينة المنورة وتكون سبباً في نزوح أهلها عنها .

ما علاقة خروج أهل المدينة بالحدث الكوني ؟

قد يسأل سائل هنا : لو اقتنعنا بأن خروج أهل المدينة بسبب ثورة بركانية في جبل الوراق باليمن ، أو نتيجة ثورات بركانية حول المدينة المنورة ، فما وجه علاقته بنزول كسف من السماء ، أو بالحدث الكوني ؟

وهذا التساؤل يمكن الإجابة عليه ببساطة ، ومن تتبع مجموع الأحاديث في هذا المبحث والمرحلة الزمنية التي تنتمي إليه لعلم وجه العلاقة بينها جميعا .

ولكي يتضح الأمر أقول : هذه الثورة البركانية غير معهودة ، وزمانها له علاقة بسنوات الزلازل والبلايا العظام ، وقد تكون له علاقة بالتغيرات غير المعهودة التي تقع بالجزيرة العربية فتحولها إلى مروج وأنهار .

فمجموع تلك الأدلة تشير إلى تغير غير طبيعي في جيولوجيا الأرض ، ومناخها ، وهنا يطرح تساؤل : ما الذي سيصيب الأرض في تلك المرحلة بالذات ويجعلها مضطربة بهذا الشكل ؟

طبعاً الإجابة هي وقوع حدث غير معهود يؤثر على الكرة الأرضية بأجمعها ، ومن ضمنها الزلازل والبراكين ، ووقوع كسف على الأرض ، وما يترتب على ذلك من قوة تدميرية تفوق المئة ألف قنبلة نووية ، و قد يوقع مثل هذا التدمير اضطراباً في جوف الأرض ولابتها .

والرابط القوي أو القرينة القوية – في ظني – المعززة لهذا الفهم هو أن كل تلك الأحاديث المذكورة في هذا الباب تمثل نفس المرحلة الزمنية مما يوحي بأن هناك علاقة واحدة تربط بينها ، وخلاصة القول إن خروج أهل المدينة إن لم يكن له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالحدث الكوني كأحد نتائجه يكفي القول هنا أن الخروج يكون في نفس المرحلة الزمنية .

تساؤل آخر :

لقد ربطت في هذا المبحث بين مرحلة المهدي وبين الدخان وبين الدجال ، وجعلتها تمثل مرحلة واحدة متتالية ، الدخان ، ثم الخلافة المقدسة ، ثم الملحمة ثم الدجال ، وجاء الربط هنا بين خراب المدينة فيما بين نزول الخلافة بيت المقدس والملحمة العظمى ، أي أن خروج أهل المدينة قريب جداً من خروج الدجال ، والمعلوم أنه ثبت في أحاديث كثيرة أن الدجال عندما يخرج تكون المدينة عامرة بأهلها ، وهذا يتعارض مع ما ذكرت هنا من أن المدينة في تلك المرحلة تكون خالية من أهلها ، فكيف يمكن دفع التعارض بين الأمرين ، وكيف يمكن تصور خروج أهل المدينة منها ، وعمرانها بهم في نفس المرحلة الزمنية ؟

والإجابة على هذا الإشكال بسيطة ، وهي متعلقة في كيفية تعامل البشرية مع الأحداث الطبيعية من ناحية ، وطبيعة المدة الزمنية بين الملحمة وخروج الدجال .

فالمعلوم أنه عند ثوران بركان أو حدوث زلزال أو إعصار أو غيره فإن الناس ترحل عن مكان الحدث ما دام الخطر يتهدده ، فإذا زال الخطر رجعوا إلى مدنهم وقراهم ، وما سيقع للمدينة لا يتصور دوامه مدة طويلة جداً ، وأقصى حالاته سنة أو سنتان ، وذلك في حالة كون ثورة هذا البركان غير طبيعية .

وعلى هذا الاعتبار يمكن القول أن الأحاديث التي تشير إلى ترك المدينة يراد بها تلك المرحلة ، ثم بعد ذلك يعود أهلها إليها ، ودوافع العودة إليها قوية جداً لخصوصيتها الدينية .

و قد ثبت في أحاديث أخرى أن المدة بين الملحمة وخروج الدجال سبع سنوات ، وترك المدينة يكون قبل خروج الملحمة ، إذا هناك على الأقل ثمان سنوات بين الحدثين ، وهي مدة كافية لعمران المدينة من جديد .

كذلك يعزز ما ذكرت أن بعض الآثار جاءت صريحة في الربط بين الخروج من المدينة وبين فتنة الدجال مما يعزز كونها في مرحلة واحدة بحيث يكون الخروج أولاً لسبب قاهر ثم تكون فتنة الدجال ، ومن هذه الآثار ما ذكره محجن بن الأذرع أنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَخَذَ بِيَدِي فَصَعِدَ عَلَى أُحُدٍ فَأَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ } وَيْلُ أُمِّهَا قَرْيَةً يَدَعُهَا أَهْلُهَا خَيْرَ مَا تَكُونُ أَوْ كَأَخْيَرِ مَا تَكُونُ فَيَأْتِيهَا الدَّجَّالُ فَيَجِدُ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا مَلَكًا مُصْلِتًا جَنَاحَيْهِ فَلَا يَدْخُلُهَا { ([33])

فهذا الأثر يعتبر فيصلاً في المسألة وفيه ربط زمني واضح بين خروج أهل المدينة ، وبين حصار الدجال لها بعد ذلك .


([1]) أخرجه مسلم في الزكاة برقم 157 [ مسلم بشرح النووي ( 4/ 116) ]

(_ ) من نظر إلى سياق الحديث ومدلولات عباراته يعلم أن المراد به تحول كل الجزيرة العربية إلى مروج وأنهار ، فنص العبارة المذكورة « وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا » بجعل كلمة مروج تمييزاً لأرض العرب ، وهذا أسلوب يعرفه البلاغيون ، ولو كان المقصود به بعض المروج لكانت العبارة السابقة بشكل آخر ؛ أي لقال النبي r « تعود المروج والأنهار إلى جزيرة العرب » ولعل أقرب مثال توضيحي هو قول الله في حق زكريا : « واشتعل الرأس شيباً » فهذا التعبير يشير إلى أن الرأس كله تحول إلى الشيب ، وهي أبلغ في التعبير من القول « اشتعل شيب الرأس » التي تدل على حصول الشيب دون عمومه .

([2]) سبق تخريجه

([3]) سبق تخريجه

(_ ) قد يظن البعض أن لفظة موتان تشير إلى المثنى ؛ أي حدثين يتضمنان موت شديد ، وبعضهم أسقط الحديث على الحربين العالميتين ، وهذا وهم منه ، فالموتان مفرد وليس جمع ، وهي لفظة مرادفة لكلمة الموت ، فالموت والموتان من أسماء الوفاة ، يقول ابن منظور : الموت والموتان ضد الحياة [ لسان العرب ( 2/90) ] ولو كان يراد بهذه اللفظة الإشارة إلى موتتين لجاءت الصفة بعدها بصيغة المثنى [ موتان شديدان ] ومجيئها بصيغة المفرد يدل صراحة على أنه يراد به موت شديد ؛ أي حدث واحد وليس اثنين ، لكن يلاحظ أن لفظة الموتان تستخدم في الأغلب للدلالة على الحالات التي يكثر فيها عدد الموتى بشكل لافت .

([4]) سبق تخريجه

(_ ) المعلوم أن الجمع المعرف هو من صيغ العموم ، لكنها في أحوال مخصوصة تحتمل أن تكون من العام الذي يراد به الخصوص ؛ وأشعر هنا أنها محتملة لذلك ؛ لذا استخدمت هنا صيغة الاحتمال لا الجزم .

([5]) أخرجه الإمام أحمد برقم 11326 ، قال محققه : إسناده ضعيف [ المسند بتحقيق الأرناؤط ( 17/426) ] ؛ وكذلك أخرجه الإمام أبو عمرو المقري في سننه ، وذكر لفظة زلزال بدل زلازل ؛ و أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي [ انظر عقد الدرر ( 62) ] ؛ قال الهيثمي : رواه أحمد بأسانيد وأبو يعلى باختصار كثير ورجالهما ثقات [ مجمع الزوائد ( 7/610) ] ؛ قال الألباني : رجاله ثقات رجال مسلم غير العلاء بن بشير ، وهو مجهول كما في التقريب ، لكن قد توبع على بعضه عند الحاكم [ السلسلة الصحيحة ، شواهد حديث رقم 4001 ]

([6]) سبق تخريجه

(_ ) راجع الفصل الثاني من الباب الأول حيث فصلت هناك القول في هذه العلامة وذكرت كل الاحتمالات التي ذكرها العلماء في تصورهم لها ، وناقشت كل هذه الاحتمالات مبيناً القرائن الدالة على سبب ترجيحي لكون هذه العلامة على حقيقتها .

(__ ) قد يقول البعض أن اليوم كسنة ليس على حقيقته ؛ بل هو كناية عن شدة هذا اليوم ، وهذا التصور ضعيف لوجود شاهد في الحديث ، وهو استفسار الصحابة عن طبيعة العبادة في هذا اليوم ، فقال النبي r : اقدروا له قدره . مما يدل صراحة على أن الطول الزمني لهذا اليوم هو سنة حقيقية . وسيأتي تفصيل ذلك في الفصل الخاص عن الدجال .


([7])أخرجه مسلم برقم 2895 [ مسلم بشرح النووي ( 9/218) ]

([8]) أخرجه مسلم برقم 2894[ مسلم بشرح النووي (9/217 ) ]

([9]) أخرجه البخاري برقم 7119 [ البخاري مع الفتح ( 13/84) ] ومسلم برقم 2894 [ مسلم بشرح النووي ( 9/217 ) ]

([10]) ابن منظور : لسان العرب ( 4/188)

([11]) ابن منظور : لسان العرب ( 11/96)

(_ ) يشهد لهذا الفهم أثر أخرجه عبد الرازق فيه : عن القاسم بن عبد الرحمن قال : « شُكي إلى بن مسعود الفرات فقالوا : نخاف أن ينفتق علينا ، فلو أرسلت من يسكره فقال عبد الله : لا نسكره فو الله ليأتين على الناس زمان لو التمستم فيه ملء طست من ماء ما وجدتموه وليرجعن كل ماء إلى عنصره ويكون بقية الماء والمسلمين بالشام . » [ المصنف برقم 20779 ( 11/373) ] فهذا الأثر يشير إلى أن نضوب ماء الفرات سيكون حقيقياً لدرجة لا يجد أحدهم طست ماء فيه ، وهو يتحدث عن مرحلة نضوب للماء شامل للأرض ضمن تغير مناخي غير معهود .

([12]) انظر داود : كنز الفرات (145 وما بعدها ) ؛ جمال الدين : أشراط الساعة الصغرى ( 133) ؛ العريفي : نهاية العالم ( 1139) ؛

([13]) أخرجه ابن ماجة برقم 4084 [ السنن ( 2/1367) ] ، والحاكم [ المستدرك ( 4/463) ] ، وقال عنه ابن كثير : تفرد به ابن ماجة . وهذا إسناد قوي صحيح . وصححه البستوي في رسالته [ البستوي : المهدي المنتظر ( 192) ]

([14]) ابن حجر : فتح الباري ( 13/87)

([15]) سبق تخريجه

([16]) أخرجه نعيم برقم 103 [ الفتن ( 35) ] و ابن أبي شيبة في موضعين ( 7/496 ) ( 7/487)

([17]) أخرج هذا الأثر نعيم برقم 922 [ الفتن ( 233) ]

([18]) أخرجه ابن أبي شيبة برقم 37132 [ المصنف ( 7/450) ] والحاكم نحوه في الفتن برقم 8435 ، وقال عنه : صحيح على شرط الشيخين [ المستدرك ( 4/511) ] ؛ و نعيم برقم 90 [ الفتن (32) ] و والحديث إسناده صحيح [ هادي : صحيح مرويات حذيفة في الفتن ( 12) ]

([19]) ابن منظور : لسان العرب ( 9/121)

([20]) ابن منظور : لسان العرب ( 9/329)

(_ ) يحتمل الأثر المعنى المجازي ، فيراد بالنشف الفتن الصغار التي لا تؤثر على الإيمان كثيراً ، أما الرضف فيراد بها الفتن القاتلة المؤثرة على الإيمان .

([21]) سبق تخريجه

([22]) سبق تخريجه

([23]) أخرجه أحمد برقم 15965 ، قال محققه : إسناده ضعيف [ المسند بتحقيق الأرناؤط ( 25 /312) ؛ وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني برقم 1652 ( 3/151) ؛ والطبراني في الكبير برقم 7404 ( 8/73) ؛ وأبو يعلى برقم 6843 ، قال محققه : إسناده جيد ( 12/219) ؛ والحاكم برقم 8375 ، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ المستدرك ( 4/444) ]

([24]) أخرجه البخاري برقم 2118 [ البخاري مع الفتح ( 4/397) ]

([25]) أخرجه مسلم برقم 2884 [ مسلم بشرح النووي ( 9/205) ]

([26]) أخرجه نعيم بن حماد برقم 621 ، وقال محققه إسناده حسن[ الفتن ( 152) ]

([27]) أخرجه أحمد برقم 21289 ، قال محققه : صحيح لغيره [ المسند بتحقيق الأرناؤط ( 35/216) ] ؛والحاكم برقم 8366 ، وقال صحيح الإسناد ، وأقره الذهبي [ المستدرك ( 4/489) ]

([28]) أخرجه مسلم برقم 1389 [ مسلم بشرح النووي ( 5/152) ]

([29]) أخرجه البخاري برقم 1874 [ البخاري مع الفتح ( 4/197) ] ؛ وأبو داود برقم 4296 واللفظ له ( 4/183) ]

([30]) أخرجه مالك في الموطأ برقم 1381 ، وقال ابن حجر : أخرجه معن بن عيسى في الموطأ عن مالك ، ورواه جماعة من الثقات خارج الموطأ [ فتح الباري ( 4/108) ]

([31]) أخرجه مسلم برقم 2891 [ مسلم بشرح النووي ( 9/214) ]

(_ ) هناك عدة قرائن في سياق الأحاديث تجعلنا لا نتصور خروج الناس بسبب أمراء السوء ، منها : أن الخراب يقع بعد عمران بيت المقدس بالخلافة ، وهذا يجعلنا نستبعد فكرة أمراء السوء في تلك المرحلة بالذات ، ومنها : إن طبيعة الوصف للترك الشامل لا يمكن تصور وقوعه على يد أمراء السوء ، ومهما كان ظلمهم ، فلن يصل لدرجة تخلو به بلد من كل أهلها بهذا الشكل ، بل على الأقل يبقى في البلد بعض الظلمة أو اللصوص لينتفعون من خيراتها وثمارها ، أما تركها بهذا الشكل للذئاب ، فلا بد أن يكون وراءه حدث طبيعي قاهر فوق قدرة البشر ألجأ جميع البشر للخروج منها ، وقد جاء التصريح في بعض الأحاديث بكون هذا الحدث هو الحمم التي تخرج من جبل الوراق وتقذف بها نحو المدينة وغيرها .

([32]) صحيفة دنيا الوطن الالكترونية بتاريخ 29 / 1/ 2005 م www.alwatanvoice.com

([33]) أخرجه أحمد برقم 18976 [ المسند بتحقيق الأرناؤط ( 31/313) ] ؛ قال الهيثمي : رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح خلا رجاء بن حيوة وقد وثقه ابن حبان [ مجمع الزوائد ( 3/308) ] ؛ والحديث له طريق آخر عند الطبراني قال عنه الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح [ مجمع الزوائد ( 3/309) ]


يتبببببببببببببع إن شاء الله .......... والباقي أكثر إثارة وعلم ومتعة وفهم