السلام عليكم
نكمل البحث والمبحث الأخير
يتكلم عن قرائن لا يمكن فهم احاديثها بطريقة علمية إلا من خلال هذا التفسير للأحداث أو تفسير مشابه
ملاحظة / أرجو من أحد المشرفين أن يقوم بإلغاء المشاركة السابقة المكررة فقد حاولت إلغاءها ولكن لم أستطع
قرائن متعددة تعزز احتمالية
وقوع حدث كوني
هذا المبحث ضمنته ثلاث قرائن : إحداهما تشير صراحة إلى أن أنظمة الحرب في مرحلة الملاحم العظمى تكون تقليدية مما يؤكد على أن هذه الحضارة بتكنولوجيتها إلى زوال ، والثانية لها علاقة بنزول عيسى r من خلال نبوءة ذكرها العهد الجديد في الكتاب المقدس لدى النصارى ، وهي تصف طبيعة المرحلة التي ينزل فيها ، وتتفق تماماً مع ما ذكرت ، و الثالثة قراءة قرآنية للسنن الربانية في إهلاك الأمم مقارنة مع واقعنا المعاصر ، وتفصيل ذلك على النحو التالي :
القرينة الأولى : أنظمة الحرب ووسائله في علامات الملاحم وأحاديث العلامات .
المعلوم أننا نعيش في عصر العلم والتكنولوجيا ، وهذا العصر اختلفت فيه أشكال المدنية عن العصور السابقة بشكل ملحوظ ، و أهم اختلاف يعنينا هنا هو وسائل القتال التي اختلفت بشكل جوهري ، بحيث أصبحت وسائل القتال القديمة لا ذكر لها في موسوعة القتال في عصرنا .
والملاحظ على أكثر علامات الساعة التي تتحدث عن مرحلة المهدي والدجال والملحمة العظمى أنها استخدمت العبارات الدالة على وسائل القتال القديمة كالسيف والرمح والخيل وغيرها ، وهذه الوسائل القتالية التي عبرت عنها الأحاديث النبوية بما يخص مرحلة مستقبلية هل هي معاني مجازية دالة على وسائل قتال كل عصر ، أم هي على حقيقتها ؟ والرأي الأخير يستلزم القول بفناء تكنولوجيا العصر ، ويتفرع على هذه القول تساؤل آخر وهو هل يكون فناء هذه المنظومة التكنولوجية المعاصرة بفعل البشر أم لأسباب أخرى ؟
هذا يتطلب منا النظر في النصوص نظرة تأملية ، ونرى هل يمكن حملها على المجاز ، أم لا ، وإذا كنا لا تستطيع حملها على المجاز ، واعتبرناها على حقيقتها ، فهل هذا مؤشر على بعد وقوعها كما يتصور البعض ، هذا نستطيع أن نفصله من خلال دراسة النصوص النبوية ، وتوجيه القول في العلاقة بينها وبين الحدث الكوني وذلك من خلال البندين التاليين :
البند الأول : النصوص الدالة على أنظمة الحرب ووسائله في أحاديث الملاحم .
/ - عَنْ يُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ : هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى : إِلَّا يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ جَاءَتِ السَّاعَةُ . قَالَ فَقَعَدَ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ : } إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ . ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّأْمِ ، فَقَالَ : عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ . قُلْتُ:الرُّومَ تَعْنِي ؟ قَالَ : نَعَمْ وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمُ الْقِتَالِ رَدَّةٌ شَدِيدَةٌ ، فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً ، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ ، فَيَقْتُلُونَ مَقْتَلَةً إِمَّا قَالَ : لَا يُرَى مِثْلُهَا وَإِمَّا قَالَ : لَمْ يُرَ مِثْلُهَا حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِمْ فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيْتًا فَيَتَعَادُّ بَنُو الْأَبِ كَانُوا مِائَةً فَلَا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَيُقْبِلُونَ فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إِنِّي لَأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ ، وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ ، هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، أَوْ مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ . { ([1])
شرح :
هذا الأثر يتحدث عن الملحمة العظمى التي تكون بين المسلمين وبين الروم ، والملاحظ على هذه المعركة عدة أمور يرشد إليها السياق :
- قوله في الحديث أنهم يقتتلون حتى يحجز بينهم الليل إشارة قوية إلى أن نظام القتال سيكون على الطريقة القديمة التي يكون لليل أثر واضح في إيقاف القتال ، أما مع وسائل القتال المعاصرة والتكنولوجيا الحربية فليس لليل أي أثر في منع القتال ، بل على العكس الحروب المعاصرة يعتبر فيها الليل أفضل من النهار مما يدل دلالة واضحة على أن القتال يكون بصورته القديمة التي لا ينفع فيها القتال إلا في النهار ، وهذا دليل واضح في أن من استخدم معول التأويل في النصوص في اعتبار أن السيف في الأحاديث للدلالة على البندقية والخيل على الدبابة لم يوفق في ذلك ؛ لأن الكلام هنا لا يحتمل التأويل ، و إلا كيف نؤول حرباً يحجز الليل فيها بين الجيشين في ظل أجهزة الليزر المعاصرة والتكنولوجيا الحديثة التي لا تفرق بين ليل ولا نهار ؛ إذاً هذا الحديث يتضمن قرينة قوية دالة على فناء تكنولوجيا العصر وعودة البشرية إلى أنظمة القتال القديمة .
- في الحديث إشارة إلى الفوارس العشرة مع تصريح النبي r بمعرفته لأسمائهم وألوان خيولهم ، والأصل أن تحمل الخيول على حقيقتها وهذا يتناسب مع ذكر ألوانها ، إضافة إلى أن وصف الراكبين عليها بأنهم فوارس ، يقتضي أن يكون تحته فرس فهذا الوصف لا يتناسب إلا لذلك ، أما القول بأن المراد بالخيول الدبابات ونحوها ، فهذا تأويل فاسد (_ ) دل سياق الحديث على فساده ، لتضمنه على قرينة معززة للمعنى الحقيقي ، وهي كون أنظمة الحرب تقليدية .
/ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : } لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ : خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ . فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ : لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ r فَأَمَّهُمْ فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ . { ([2])
شرح :
هذا الحديث يتضمن عدة وسائل للقتال على نسق الحروب القديمة ونهجها ، وهذا واضح في عدة أمور منها :
1- القتال هنا على الطريقة التقليدية القديمة [نظام الصفوف و اصطفاف الجيشين للقتال ] وهذا لا يكون إلا في الحروب القديمة التي يستخدم فيها السيف ،
أما الحروب في المفهوم التكنولوجي فلا يلزم فيها مثل هذا الإجراء .
2- التصريح بكلمة تعليق السيوف على الزيتون على حقيقته ، ولو كان المقصود به وسائل حربية أخرى لكان الأولى ذكر كلمة الأسلحة بدلاً من كلمة السيوف ، وكلمة السلاح كلمة عربية وقرآنية ، مما يدل على أن السيوف هنا مقصودة لذاتها لأنها الوسيلة الحقيقية في الملحمة .
3- الإشارة للحربة التي مع سيدنا عيسى r ، وهي من وسائل القتال القديمة .
فهذه الدلالات كلها تشير إلى أن أسلوب القتال من أساليب الحروب القديمة وليست الحديثة ، وهذه الدلالة لا تحتمل التأويل كما يرى البعض ؛ حيث أنه لو أمكن تأويل السيف والحربة ، فليس من السهل تأويل فكرة اصطفاف الصفوف للقتال الدال على أن المعركة من المعارك التي يلتحم بها الجنود مع بعضهم البعض كما هو معهود في الحروب القديمة ، وهو ما لا تحتمله الحروب التكنولوجية المعاصرة .
/ - عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : } الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ . { ([3])
شرح :
هذا الحديث صريح في أن الخيل المعهودة معقود في نواصيها الخير ، والمعلوم أن هذا الخير المقصود في الحديث هو في استخدامها بالقتال ، وهذا صريح في نهاية الحديث بقول النبي r الأجر والمغنم الدال على الجهاد .
والشاهد في الحديث قول النبي r إلى يوم القيامة ، مما يشير إلى عودة استخدامها في الحروب ، وإلا فما قيمة هذه العبارة إذا كان استخدام الخيل في الحروب سيستبدل نهائياً بغيره من الوسائل قبل يوم القيامة ، ولاكتفى النبي r بذكر فائدة الخيل فقط دون ذكر هذه العبارة .
بل هذا الحديث فيه لفتة نبوية عجـيبة ، وهي أن الحالة التي عايشناها في وسائل القتال المعاصرة ليست دائمة ، بل هي تمثل مرحلة طارئة ستنتهي معها ويرجع الأمر إلى سابق عهده في استخدام الوسائل القديمة في القتال ومن ضمنها الخيل .
ولو لم يكن هذا مراداً لما كان هناك حكمة في إيراد النبي r لهذا الكلام وتأكيد بقائه إلي يوم القيامة .
والمعلوم أن الوسائل القتالية المعاصرة لم تكن معهودة قبل قرن من الزمان ، ومدة بقائها المستقبلية مجهولة ، وقد تكون قصيرة جداً ، مما يعزز أنها حالة استثنائية طارئة ضمن حالة عامة تقليدية على مدى البشرية .
/ - جاء في حديث أبي أمامة الطويل عن الدجال : } قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام افْتَحُوا الْبَابَ ، فَيُفْتَحُ وَوَرَاءَهُ الدَّجَّالُ مَعـَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ يَهُـودِيٍّ كُلُّهُمْ ذُو سَيْفٍ مُحَلًّى وَسَاجٍ{ ([4])
أقول :
الحديث صريح في أن سلاح اليهود يكون السيف المحلى ، ولو كان غير ذلك من الأسلحة المعاصرة لاستخدم النبي r كلمة سلاح بدل كلمة السيف ، وكما ذكرت سابقاً أن سياق بعض الأحاديث لا يحتمل تأويل السيف بالأسلحة المعاصرة ؛ لأنها تضمنت إشارات صريحة على أن أنظمة الحرب تنطبق على الأسلوب القديم لا التكنولوجي الحديث .
/ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ : } تُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فَيَخْرُجُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَعُمُّونَ الْأَرْضَ وَيَنْحَازُ مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى تَصِيرَ بَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيَهُمْ حَتَّى أَنَّهُمْ لَيَمُرُّونَ بِالنَّهَرِ فَيَشْرَبُونَهُ حَتَّى مَا يَذَرُونَ فِيهِ شَيْئًا فَيَمُرُّ آخِرُهُمْ عَلَى أَثَرِهِمْ فَيَقُولُ قَائِلُهُمْ : لَقَدْ كَانَ بِهَذَا الْمَكَانِ مَرَّةً مَاءٌ وَيَظْهَرُونَ عَلَى الْأَرْضِ فَيَقُولُ قَائِلُهُمْ : هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْأَرْضِ قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ وَلَنُنَازِلَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَهُزُّ حَرْبَتَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ مُخَضَّبَةً بِالدَّمِ . { ([5])
/ - عن النَّوَّاس بْنَ سَمْعَانَ t أن رَسُولُ اللَّهِ r قَالَ : } سَيُوقِدُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِسِيِّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَنُشَّابِهِمْ وَأَتْرِسَتِهِمْ سَبْعَ سِنِينَ { ([6])
شرح :
هذان الحديثان صريحا الدلالة بما لا يحتمل التأويل أن الأسلحة في زمن ياجوج ومأجوج هي نفس الأسلحة التقليدية القديمة ؛ حيث جاء في الحديث الأول ذكر الحراب ، وهي الرماح ، وفي الأثر الثاني ذكر النشاب والقسي والأترسة ، وقد صرح الأثر الثاني بأن المسلمين سيوقدون من أسلحة يأجوج ومأجوج سبع سنوات مما يدل صراحة على أنها من الخشب ، وهذا الوصف يتفق مع الأسلحة القديمة .
الخلاصـة
يتضح من الأحاديث السابقة أنها تدل صراحة على أن الحروب في الملاحم وبعدها تكون وفق الأساليب القديمة وأسلحتها ؛ لذا جاء ذكر الخيل والسيوف والرماح والحرب فيها ، وهذه الوسائل لا يمكن تأويلها وحملها على الوسائل الحديث لأن الأحاديث نفسها صرحت بأن أنظمة الحرب نفسها تكون تقليدية لا يصلح فيها القتال بالليل ، وتكون الجيوش بنظام الصفوف التي يتلاحم من خلالها الجيشان ، وهذه الأنظمة لا يمكن تصور وجودها إلا إذا كان المستخدم فيها وسائل القتال القديمة فقط ، ويعزز ذلك كله أن النبي r صرح بأن استخدام الخيل في الجهاد سيبقى إلى يوم القيامة مما يؤكد على أننا الآن في مرحلة استثنائية قصيرة أعفيت منها الخيل في الحروب ، لكنها ستعود لتكون الفيصل في المعارك المستقبلية .
البند الثاني : توجيه القول في أنظمة الحرب وعلاقتها بآية الدخان والحدث الكوني .
يلحظ مما سبق أن الأحاديث الدالة على ملاحم آخر الزمان كلها تشير إلى أن الأسلوب المتبع فيها هو أنظمة الحرب القديمة ووسائلها ، وهي لا تحتمل التأويل كما يظن البعض ، وهذا يُخلصنا إلى نتيجة حتمية وهي : إن الوسائل الحربية المعاصرة لا محالة ستؤول إلى فناء .
وهذا أمر يستبعده البعض لأن العلم والمعرفة تراكمية ، والأصل في الإنسان أن يزداد تطوراً ، وليس من السهل من الناحية العقلية تصور العودة للوراء خاصة من الناحية العلمية والتكنولوجية ؛ لذا عمد هؤلاء إلى سلاح التأويل في النصوص النبوية ، وكما ذكرت سابقاً أن هذه النصوص تضمنت في طياتها ما يمنع هذا التأويل ويبطله ، والقرينة التي اعتمدها هؤلاء في تأويلهم ما ظنوه مسلمة في أن هذا التطور ليس من السهل اندثاره من ذاكرة البشرية .
والبعض الآخر يرى أن معاني النصوص على حقيقته ؛ لكنه يجد في نفس الوقت أن ذلك قرينة إلى أن بيننا وبين هذه الملاحم العظمى قرون ، والذي دفعهم إلى هذا الفهم هو نفس المسلمة السابقة ، وهي عدم تصورهم اندثار كل هذا التطور والتكنولوجيا بسهولة ، بل يحتاج الأمر لقرون لتصوره .
أما من رأى قرب وقوع الحدث فقد ربطه أيضاً بسبب بشري ؛ حيث تصور هؤلاء قيام حرب عالمية ثالثة تكون مدمرة ، ويترتب عليها فناء كل أسلحة العصر .
والحق في ظني بخصوص هذه المسألة أن أنظمة الحرب في الملاحم المذكورة أنظمة قديمة ، و هذه الوسائل التي ذكرها من أوتي جوامع الكلم ، ورأى ما هو كائن إلى يوم القيامة من خلال الوحي الرباني يعتبر أكبر قرينة على ما ذكرته بأن هناك حدثاً كونياً مهولاً سيعصف بالكرة الأرضية يؤثر على كل أنظمتها أو قوانينها التي استمدت من خلالها المدنية الحديثة القدرة التكنولوجية المعاصرة ، والمعلوم أن أي اختلال في الغلاف الجوي له آثاره على الاتصالات وعلى الطيران ..إلخ
فهذه القوانين التي درسها الإنسان واستطاع من خلالها الاستفادة من الثبات النسبي فيها في عصرنا في كثير من مخترعاته قد يطرأ عليها تغير مفاجئ يخل بها جميعاً .
فإذا صادف الأمر حدثاً كونياً مهولاً تضطرب معه الأرض ، وتحدث معه المجاعات والأوبئة وتتغير الأولويات ، و تغيب من خلاله مدنيات مع أسرارها بأكملها ، فعندها يسهل علينا تصور الدواعي والأسباب التي تعيد الحروب إلى سابق عهدها .
وما يراه البعض يحتاج إلى قرون قد لا يحتاج في بادئ الأمر إلى ساعات حاسمة مغيرة لكل ما نحن عليه ؛ لذا لا يُستبعد حدوثه في كل لحظة كما يرى بعض أهل الاختصاص .
وما أقوله ليس ضرباً من الخيال ، بل مثل هذا الانهيار التكنولوجي والمدني المعاصر لا يغيب عن مخيلة كثير من علماء العصر ، بل تصوره في أفهامهم أكثر من تخيلنا له .
ومن درس طبيعة الأنظمة المعقدة التي تحكم الكرة الأرضية ، ومدى ترابطها مع بعضها لدرجة أن حدثاً قد يراه البعض بسيطاً يقع في ناحية منها يكون له الأثر على أنظمة كثيرة في الكرة الأرضية ، فمثل هذه الدراسة لأنظمة الكرة الأرضية والتي يعيها العلماء جيداً تجعل تصورنا للأمر وتوابعه المدمرة أكثر تقبلاً .
وحتى يتضح الأمر أقول : ظاهرة بسيطة في عصرنا تسمى ظاهرة الانحباس الحراري ( الدفيئة ) يرى فيها العلماء المتخصصون آثاراً مدمرة قد تنهي الحياة المدنية المعاصرة ، ويربطون بينها وبين حصول أعاصير مدمرة وأوبئة قاتلة ، ومجاعات وقحط ، وحروب طاحنة ، وتغير بيئي ومناخي وغرق مدن ، بل دول بأكملها تحت الماء ، واختلال في كثير من القوانين التي تحكم الكرة الأرضية .
و الإنسان البسيط منا قد يصعب عليه الربط بين كل ما ذكرت وبين ظاهرة الانحباس الحراري ، ولكن العلماء المتخصصون نظراً لفهمهم مدى تعقد الظواهر الطبيعية والمناخية وترابطها يجدون تفسيراً واضحاً لكل تصوراتهم هذه .
فإذا كانت هذه تصورات العلماء المستقبلية لظاهرة بسيطة كظاهرة الانحباس الحراري ، فكيف تكون تصوراتهم لو سقط على الأرض نيزك ضخم قوته التدميرية والحرارية تعادل مئة ألف قنبلة نووية ؟
فمثل هذا الحدث الكوني الضخم يصعب حتى على البشرية تصور كل توابعه ، والقول بقدرته على إنهاء كل أشكال المدنية المعاصرة يعتبر من أسهل التوقعات وأقربها للواقع في تصورات أهل الاختصاص . } فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ { ([7])
خلاصة القول :
الآثار النبوية التي تتحدث عن ملاحم مستقبلية تشير صراحة إلى أن أنظمة القتال ووسائله فيها هو الأنظمة القديمة مما يدل على أن المدنية الحديثة بكل صورها حتماً إلى فناء ، وهذه قرينة قوية دالة على أن هناك حدثاً عظيماً غير معهود سيصيب الكرة الأرضية ، وهذا الحدث سيؤثر عليها بالكلية . ولا يتصور فناء المدنية الحديثة نتيجة لأحداث بسيطة كالزلازل والبراكين وغيرها ، ولا حتى عن طريق الحروب العظمى ، فمثل هذه الأمور قد تخل بالقدرة العلمية والتكنولوجية ، ولكنها لا تؤدي إلى فنائها ، وهذا ملاحظ بعد الحربين العالميتين .
القرينة الثانية : توصيف عيسى r لمرحلة نزوله كما وردت في الإنجيل .
هذه القرينة هي الوحيدة في كتابي بأكمله التي أذكر فيها بعض الإسرائيليات ، وبالرغم من دراستي التي أزعم أنها واسعة لكتب الديانات السابقة خاصة في كل ما يتعلق بالإشارات المستقبلية إلا أنني وجدت في الكتاب والسنة ما يشفي الغليل في فهم كل ملابسات الفتن والملاحم وعلامات الساعة فاقتصرت عليها في كتابي ، وهذا هو الأصل لأنها المصادر الأصيلة المعتبرة لدينا ، أما باقي المصادر خاصة كتب الديانات السابقة فقد ثبت لدينا أنها قد حرفت ؛ لذا لا نسلم من الخلل والزلل خلال التعاطي معها ، وهذا ما حذا بي إلى ترك كثير من الاستشهادات حتى التي توافق شرعنا .
لكن في هذا الفصل بالذات نظراً لغموضه وتعلقه بمرحلة الدجال التي يليها نزول عيسى r رأيت أن أذكر بعض النصوص الواردة في الإنجيل التي تحكي طبيعة تلك المرحلة ، وأذكرها هنا في باب القرائن فقط استئناساً ومحاكمة وليس استشهاداً ، خاصة في خبر ورد في الكتب السابقة لا يتعارض مع ما تدل عليه الأدلة في شرعنا ، وهذا الوجه جائز في رواية الإسرائيليات ، ويدخل تحت باب « حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج . » (_ )
فقد ورد في الإنجيل أن عيسى r أخبر حواريه عن مرحلة نزوله ، فطلبوا منه الأمارات الدالة على ذلك وهذه النصوص الواردة في ذلك : « تقدم إليه التلاميذ على انفراد قائلين ، قل لنا : متى يكون هذا وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر ؟ فأجاب يسوع وقال لهم : انظروا لا يضلكم أحد . فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو المسيح ويضلون كثيرين وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب .. وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن ، لكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع ، حينئذ يسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمي ، وحينئذ يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضاً ويبغضون بعضهم بعضاً ، ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين .. فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس ليفهم القارئ ، فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال ... وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت ؛ لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون ، ولو لم تقصَّر تلك الأيام لم يخلص جسد . ولكن لأجل المختارين تُقَصَّر تلك الأيام .. وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه ، والنجوم تسقط من السماء .. وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان. » ([8])
هذا النص الأول في إنجيل متى وكرر نفس الموضوع في إنجيل مرقس وإنجيل لوقا ، مع بعض الاختلافات الهامة أذكرها هنا .
« وتكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة ، وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء ، وقبل هذا يلقون أيديهم عليكم ويطردونكم ويسلمونكم إلى مجامع وسجون وتساقون أمام ملوك وولاة .. وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم ، وعلى الأرض كرب . أمم بحيرة . البحر والأمواج تضج ، والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة لأن قوات السماء تتزعزع . » ([9])
« .. ومتى رأيتم رجسة الخراب التي قال عنها النبي دانيال قائمة حيث لا ينبغي ..وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ؛ لأنه يكون في تلك الأيام ضيق لم يكن مثله منذ ابتداء الخليقة التي خلقها الله إلى الآن ولن يكون ، ولو لم يقصر الرب تلك الأيام لم يخلص جسد ، ولكن لأجل المختارين الذين اختارهم الله قصر الأيام .. أما في تلك الأيام بعد ذلك الضيق فالشمس تظلم والقمر لا يعطي ضوءه ونجوم السماء تتساقط . » ([10])
هذه أبرز النصوص التي تطرقت إلى مرحلة نزول عيسى r ، و لكي نفهمها جيداً أشير هنا إلى أن الخطاب هنا موجه للحواريين ، وهم مسلمو تلك المرحلة ، أما الخطاب المستقبلي فسيكون لمن هو على شاكلتهم من مسلمي مرحلة النزول ، وهم أتباع محمد عليه السلام .
محاكمة النصوص السابقة ومقارنتها مع ما ثبت في شرعنا :
الواضح من سياق النصوص السابقة أنها تحكي إرهاصات المرحلة التي تسبق نزول عيسى r وعلاماتها ، ولعل أعم العلامات التي ذكرها عيسى r :
1- خروج أدعياء النبوة [ أنبياء كذبة ومسحاء كذبة ] ، وهذه العلامة أخبر النبي محمد r عنها أنها من علامات الساعة ، وذكر ثلاثين دعياً للنبوة يكون آخرهم المسيح الدجال ، لكن أضيف هنا أن هذه العلامة من عيسى r قد يكون فيها إشارة إلى المدرسة الإنجيلية الأصولية ذات الإمكانات الهائلة و القنوات التبشيرية التلفزيونية المليونية التي يعج بها الغرب ، والمعلوم أن هؤلاء قد اخضعوا تعاليم الدين المسيحي إلى المآرب السياسية والمصالح الشخصية فأضلوا الكثيرين ولهم صولات وجولات كثيرة في التأثير على الرأي العام وعلى توجهات الشعوب حسب مآربهم .
2- زلازل عظيمة ومجاعات وأوبئة : وهذه ذكرت في النصوص السابقة الثلاثة ، وفي بعضها جاءت الإشارة إلى زلازل في أماكن ، مما يشير إلى عدم عمومها ، وهذه العلامة عبر عنها نبينا محمد r بصيغتين الأولى : كثرة الزلازل ، وسنوات الزلازل ، ثم بالخسوف الثلاثة التي تكون في أماكن مخصوصة ، وما دام النص الإنجيلي يخبر عن مرحلة عودة عيسى r إذا يراد بها علامة لم تأت بعد كما ذكرت سابقاً وهي سنوات الزلازل ، أو الخسوف الثلاثة[ خسف المشرق – خسف المعرب – خسف جزيرة العرب ] .
3- رجسة الخراب : وهذه علامة لم تذكر في نصوصنا الشرعية والمراد بها والله أعلم قيام هيكل اليهود ، وجاءت الإشارة في بعض النصوص إلى قيام رجسة الخراب في المكان المقدس حيث لا ينبغي لها مما يشير إلى أنها وإن كان الهدف من قيامها ديني إلا أنه ليس لله ؛ لذا استحق كلمة الرجس التي هي صنو النجس ، والغريب أن اليهود في أحد حلقات هجمتهم على بيت المقدس قاموا ببناء أو تجديد كنيس في القدس على مقربة من المسجد الأقصى أسموه كنيس الخراب (_ ) واعتبروا أن بناءه إشارة إلى إعادة الهيكل ، وما زالت الحملة مستمرة لتهويد القدس ولا نعلم ما هي آخر حلقاتها .
4- علامات كونية تسبق نزول عيسى r : وهذه جاء التعبير عنها بعدة أشكال في النصوص السابقة : « فالشمس تظلم والقمر لا يعطي ضوءه ونجوم السماء تتساقط » « وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه ، والنجوم تسقط من السماء » « وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم » « وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء » ، وجاء في أسفار العهد القديم توصيف لنفس الحدث وتعلقه بيوم عظيم يسبق يوم القيامة ، ففي سفر يوئيل : « قدامه ترتعد الأرض وترجف السماء الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها » « وأعطى عجائب في السماء والأرض دماً وناراً وأعمدة دخان ، تتحول الشمس إلى ظلمة ، والقمر إلى دم قبل مجيء يوم الرب العظيم المخوف . » ([11]) وفي سفر عاموس : « ويكون في ذلك اليوم أني أغيب الشمس في الظهر ، واقتم الأرض في يوم نور » ([12]) وفي سفر حزقيال : « وعند إطفائي إياك أحجب السموات وأظلم نجومها ، وأغشي الشمس بسحاب والقمر لا يضيء ضوءه وأظلم فوقك كل أنوار السماء المنيرة ، وأجعل الظلمة على أرضك . » ([13]) هذا أبرز العلامات الفلكية الحاصلة قبل نزول عيسى r ضمنتها بعض نصوص العهد القديم التي تحكي نفس الحدث والمواصفات (_ ) ، وهي تعبر بشكل جيد عما ذكرته سابقاً ، فظلام الشمس وعدم إعطاء القمر لضوئه كناية عن الحجاب الذي يحجبهما عن الأرض ، وهو آية الدخان ، أو الدخان المتولد والمستقر في الغلاف الجوي بسبب نزول كسف. أما النجوم التي تتساقط فهي كناية عن الكسف الساقط أو الحاصب المسوم ، والنص السابق يربط بين علامات عظيمة في السماء وبين مخاوف على الأرض ، وبينت النصوص أن هناك مخاوف عظيمة بين الناس لما يتوقعونه من نتائج خطيرة لهذه العلامات ، وفيها إشارة إلى تيقنهم بأن ما يقع بهم هو غضب رباني ترتب عليه تسلط جنود السماء عليهم ، وهذا عبرت عنه النصوص بقولها « والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة لأن قوات السماء تتزعزع . » ولاحظ أن النص استخدم كلمة يغشى ، وهي نفس الكلمة التي جاء ذكرها في آية الدخان ، كذلك حالة الانتظار هنا فيها دلالة على أن علامات السماء تظهر أولاً ثم بعد برهة من الزمان تسقط على المسكونة ، وهذا يتفق مع الآثار التي ذكرتها سابقاً من ظهور النجم ( النيزك ) ثم بعد ذلك سقوطه في المشرق .
5- تقارب الزمان : وهذه العلامة عبر عنها النص الإنجيلي بعدة عبارات منها : « ولو لم يقصر الرب تلك الأيام لم يخلص جسد ، ولكن لأجل المختارين الذين اختارهم الله قصر الأيام » « ولو لم تقصَّر تلك الأيام لم يخلص جسد . ولكن لأجل المختارين تُقَصَّر تلك الأيام » وهذه العلامة أخبر عنها نبينا محمد r في عدة أحاديث ذكرتها في موضعين من الكتاب ، أحدهما هذا الفصل إلا أن النص هنا فيه ثلاث إشارات عجيبة :
الأولى : فيه تأكيد على أن تقارب الزمان على حقيقته .
والثانية : تقارب الزمان له علاقة بمرحلة الحدث الكوني أو العلامات التي في السماء ؟
والثالثة: فيه بيان للحكمة من حصول هذه العلامة وهو أن بسببها ينجو الكثيرون من أهل الأرض بقوله « ولو لم يقصر الرب تلك الأيام لم يخلص جسد » وأن هذه العلامة سيقت أصالة من باب الرحمة الربانية والعصمة الإلهية لأهل الله في الأرض ، أو أولياء الله في الأرض أو المختارين وهي من باب« لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ » ([14])
7- كرب ـ حيرة ـ أمواج ثائرة . وهذه العلامة عبر عنها النص الإنجيلي « وعلى الأرض كرب . أمم بحيرة . البحر والأمواج تضج » أما وجود الكرب والحيرة فهذه عبرت عنها الأحاديث النبوية كثيراً وفي مناسبات عدة ، وأي حيرة أعظم من أن يتقلب الإنسان بين النقيضين خلال ساعات « يصبح مؤمنا ويمسي كافراً » وأي كرب أشد من أيام الصبر التي يكون القابض فيها على دينه كالقابض على الجمر ، أو يتمرغ فيه الرجل على القبر متمنياً الموت وغابطاً أهل القبور ، لكن يلاحظ في النص السابق أنه أشار إلى علامة بحرية لها علاقة بالعقوبة وهي الأمواج الثائرة ، والواقع يشهد لهذه العلامة ، وموجة تسونامي الأخيرة كانت آية من الآيات ، ولعله يكون بعدها موجات بحرية وأعاصير عاصفة أخرى نسأل الله السلامة .
8- علامة ابن الإنسان : ، وهذه العلامة ذكرتها النصوص السابقة بعد أحداث أرضية وسماوية متعددة كذهاب ضوء الشمس والقمر ، وتساقط النجوم ، وجاء التعبير عن هذه العلامة بالتالي : « وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان . » ؛ أي بعد هذه الأحداث تظهر هذه العلامة ، ودلالتها تشير إلى إنسان يخرج في آخر الزمان وتكون هناك بعض العلامات الدالة عليه ، وهي من الخوارق ، أو من إرهاصات خروجه ، وهذا النص يحتمل ثلاثة أمور :
الأمر الأول :
يحتمل أن يكون المقصود به هو عيسى عليه السلام ، خاصة أن سياق النصوص يشير إلى أن عيسى عليه السلام ذكر علامات عودته ومجيئه ، وقد لاحظت تكرار هذه العبارة في مواضع متعددة ويقصد بها عيسى عليه السلام ، وهذا الاحتمال هو ما أرجحه ، خاصة أن قرائن متعددة تدل عليه (_ ) .
الأمر الثاني :
يحتمل أن يكون المقصود بذلك هو المهدي t الذي يكون خروجه في تلك المرحلة ؛ وجاء النص ليشير إلى علامة تظهر عند خروجه ، وهذه العلامة هي المقصودة في الأثر الوارد عن علي بن عبد الله بن العباس حيث قال: » لا يخرج المهدي حتى تطلع مع الشمس آية.« ([15])
ويحتمل أن تكون العلامة أيضاً الخسف الذي يقع في جزيرة العرب في الجيش الذي يقصد قتال المهدي ، فهذا الحدث هو من أكبر دلائل مصداقية خروج المهدي t .
الأمر الثالث :
يحتمل أن يكون المقصود بذلك هو الدجال الذي حذر منه كل الأنبياء ومن ضمنهم عيسى r ؛ لذا مع هذه الأحداث تبدأ إرهاصات خروجه وعلاماتها ، ووصفه بابن الإنسان يراد به هنا بيان حقيقته ، وكذبه في ادعائه للربوبية .
القرينة الثالثة : السنن الربانية في إهلاك الأمم .
القرآن الكريم منهاج الأمة الخالد ونبراس الحق ، ونور القلوب في استلهام مجريات الصراع بين الحق والباطل ، وقد تضمن سنناً ثابتة للنصر أو الهزيمة ، للبقاء أو الهلاك ، وهذه السنن المنثورة في القرآن الكريم ضمن سياقات محددة تشير بوضوح إلى أن هناك قانوناً ربانياً عاماً مبنياً على أسباب ونتائج – وفق قدر الله – وهذا القانون يتحدد من خلاله بقاء أمة أو هلاكها ، وهذا القانون شأنه شأن القوانين الطبيعية الأخرى التي قدرها الله سبحانه وتعالى في الكون بحيث يترتب على وقوع السبب حصول النتيجة المترتبة عليه ، بل السنن الربانية في إهلاك الأمم أكثر ثباتاً من القوانين الطبيعية في الكون ، والذي دل على كونها أكثر ثباتاً هو الذي قدرها ، وهو الله سبحانه وتعالى .
يقول الله سبحانه وتعالى : } سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً{ ([16]) } سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً { ([17]) } سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً { ([18]) } وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً، اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً{ ([19])
فالآيات تشير صراحة إلى هذا القانون الإلهي المقدر والمبني على السبب والنتيجة في تصريف الأمم وهلاكها والآيات واضحة الدلالة على ثبات هذه السنن ، وهذا المعنى أشار إليه محمد الغزالي بقوله : » .. والأساس أن القرآن نبه فعلاً إلى أنه كما توجد سنن كونية في إطار المادة تجعل درجة الغليان مثلاً عند المائة ، ودرجة التجمد عند الصفر ، أو تجعل للغازات ضغوطاً معينة .. كذلك الأمر في الحضارات البشرية ، وانهيارات الأمم وانتصاراتها : إنها تخضع لقوانين لا يمكن أن تتبدل .. سنن الله في المجتمعات هي صور أخرى مكملة أو امتداد طبيعي لسننه في العلوم التطبيقية .. ليس هناك فوضى في الكون من ناحية البناء العلمي له ، ومن ناحية الانطلاق الحضاري ، سنن قائمة بيقين ، وسنن ثابتة . « ([20])
كلام الغزالي صريح ، ولا يحتاج إلى تعقيب ، والآيات السابقة دلالتها واضحة على أن الأمم – من حيث الزوال أو البقاء - تحكمها قوانين ربانية ثابتة لا تتبدل ولا تتحول ما دامت السماوات والأرض ، ولئن كان الغرب أوفق منا في اكتشاف قوانين الطبيعة وتوظيفها في الحياة من خلال التأمل في آيات الله المنظورة ، فنحن أولى منه في اكتشاف قوانين السماء في صراع الحق والباطل من خلال التأمل في آيات الله المقروءة والدالة على هذه القوانين ، وهذا باب عظيم غفلنا عنه ، ولا يتسع مجال البحث هنا لملاحقته ؛ لأن هذا الموضوع لوحده يحتاج إلى مجلد ضخم ، لذا سأقتصر هنا على بعض الإشارات التي سأخلص منها إلى نتيجة تعتبر قرينة دالة على وقوع حدث كوني هائل يعصف الكرة الأرضية .
1- السنن الربانية المهلكة . (_ )
خلال استقراء قمت به لكتاب الله والسنن المبثوثة فيه مقارنة بواقعنا المعاصر وجدت أن أكثر هذه السنن قد تجسدت في العالم بما يوحي بقرب عقوبة ربانية تتناسب و طبيعة الجرم ، ولعل أهم السنن الربانية المهلكة والمذكورة في القرآن هي الظلم ، وهو مشاهد في عصرنا بشكل واضح وبكامل صوره سواء كان الكفر بعينه أو الظلم الاجتماعي أو الظلم الاقتصادي أو الظلم لأهل الله سبحانه وتعالى في الأرض بإثارة الشبهات حولهم وببث الشهوات بينهم ، أو بتعذيبهم أو تكذيبهم أو حصارهم اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً أو بالمكر بهم وملاحقتهم .
ومن هذه السنن أيضاً الاستكبار والعلو في الأرض والنموذج العادي والفرعوني لحظة هلاكهما موجودان في عصرنا وهناك من نرى لسان حاله يقول : من أشد منا قوة ، ومن يرى أن أهل الله سبحانه وتعالى في الأرض شرذمة قليلون ، وهناك من يرسل إلى المدائن بل إلى الدول ليحشر كل طاقاته وجيوشه للكيد بالإسلام وأهله ، وهناك من يرى استخدام القوة بأبشع صورها مع كل من يثبت على دينه ، ويتمثل منطق فرعون القائل : سنقتل أبنائهم ، ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون .
ومن هذه السنن الكيد لأهل الله من خلال التآمر عليهم ، وهذا واضح في عصرنا ، ومكرهم لا تزول منه الرجال فقط بل تزول منه الجبال ، سواء كان مكراً بالقرآن نفسه أو بالسنة أو بمدارس القرآن أو بالمناهج الدينية حتى لو كانت تتضمن قصوراً ، أو بتعاليم الإسلام وثوابته من خلال ملاحقة المرأة العفيفة والكيد بها ومصادرة فكرها التليد ، وبث الأفكار المسمومة في ذهنها باسم تحرير المرأة أو حقوقها .
ومن السنن المهلكة أيضاً تحرك المترفين في الأرض ليفسدوا فيها فساداً موجباًً للعقاب ، وهذا ملاحظ في عصرنا حيث يؤمر المترفون أمراً بأن يكون لهم نصيب في الإفساد من خلال الفضائيات الخاصة وأماكن اللهو و وعروض الأزياء وغيرها .
ومن هذه السنن أيضاً تزين الأرض التي يترتب عليها ثقة الإنسان العمياء بنفسه وسيطرة الوساوس الشيطانية عليه بأنه قادر علي كل شيء ، فهو يملك أن يتحكم بعناصر الطبيعة حوله كيفما يشاء ، بل هو قادر لأن يتحكم في الأجنة قبل خروجها من بطونها ، وفي النبات قبل بروزه من الأرض .
ومن السنن المهلكة انتشار الفاحشة والموبقات في الأرض ؛ حيث لم تعهد البشرية انتشاراً للفاحشة والإعلان بها عبر أجهزة التلفاز والفضائيات والانترنت كما نعهد في عصرنا .
ومن السنن المهلكة أيضاً فتح باب المواجهة بين الحق والباطل ، وهذا ملاحظ حتى أصبح المستهدف الوحيد في الأرض هو المسلم و دينه ورسوله وكتابه ، بل استُدرج كل ملوك الأرض وتناسوا كل خلافاتهم واتفقوا على حرب واحدة لأول مرة على مستوى الكرة الأرضية بأكملها .
2- الإنذارات التي تسبق الهلاك .
هذه بعض السنن المهلكة ، وهناك كثير من الآيات القرآنية الدالية عليها ، ويلحظ أن تجسدها في المجتمع المعاصر قد رافقه بعض الإنذارات الربانية الخفيفة التي تعتبر إرهاصاً بين يدي العذاب الأليم ، وإشارة إلى قربه ، فالمعلوم أنه قبل نزول العذاب الممحق تأتي بعض الإنذارات الربانية من باب الرأفة والرحمة ، وهذه أشار إليها الله سبحانه وتعالى في سورة النحل حيث قال : } أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ { ([21]) فهذه الآية فيها إشارة عجيبة وهي أن حكمة الله سبحانه وتعالى تقتضي أحياناً أن يأخذ القوى الكافرة العظمى على تخوف ؛ والمراد بالتخوف الإنقاص من قدرتها تدريجياً سواء كان ذلك من الناحية الاقتصادية في الغالب أو من الناحية العسكرية والنفسية ، وذلك من خلال تسليط جنود الله التي لا يعلمها إلا هو عليها ، وإنذارات التخوف هذه ملاحظة في عصرنا ، ولكي يتم فهم المراد بها أسوق نموذجاً قرآنياً دالاً عليها وقع مع قوة عظمى في الماضي ، وهي دولة فرعون التي أرسل الله سبحانه وتعالى عليها بعض الآيات كإنذار قبل العقوبة الماحقة ، يقول الله سبحانه وتعالى : } فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ{ ([22]) فهذه الآيات ابتلي بها قوم فرعون ، وكانت بمثابة إنذار لهم ، وهذه الإنذارات أو الآيات نراها بأم أعيننا تصيب القوى العظمى وغيرها من دول الكفر أو الظلم ، فالأعاصير المتكررة وموجات الجفاف ، والأمراض الماحقة في الزراعة والحيوان والطير والإنسان ، فالعالم ابتلي بالإيدز ، و الغرب ابتلي بجنون البقر وانفلونزا الخنازير ، والشرق بأنفلونزا الطيور ، والأمراض الثلاثة السابقة في الإنسان والطير والحيوان تعتبر من باب الآيات حقاً فنحن في عصر العلم ، وعصر الثقة العمياء للإنسان بقدراته ، وبالرغم من ذلك هناك من الأمراض المهلكة التي أعجزت البشرية وحارت في فهم أسرارها ، وأثقلت ميزانية الدول بتكاليف باهظة ، وهذا هو معنى قول الله « يأخذهم على تخوف » .
وهذا يهيج سؤالاً في هذا المقام وهو ماذا ستؤثر تلك الأمراض على الدول العظمى الظالمة ؟ ولماذا لم يكن هناك عقوبة رادعة قوية لهم على كفرهم وضلالهم .
وللإجابة على هذا السؤال أقول :كم سيؤثر القمل على دولة عظمى كدولة فرعون ؟ وبالرغم من ذلك اعتبره القرآن آية من الآيات لما فيه من تنغيص لحياة أهل الباطل وإنذار لهم .
وهذه سنة ربانية تساق دائماً قبل العذاب ووجه الحكمة فيها أن طبيعة العذاب الرباني أنه شامل وممحق و أليم ومباغت ، لذا ناسب الأمر أن يكون له بعض الإرهاصات المحذرة من باب الرأفة والرحمة كما صرحت الآية في سورة النحل .
لذا الأعاصير تأخذ جانباً من اقتصاد الدول العظمى وتنغص عليها حياتها التي ترنو إليها ، وكذلك جنون البقر والإيدز وغيره من الأمراض لها نصيب ، وللحتباس الحراري نصيب ، فإن لم يكن لهذه الإنذارات صدى في قلوب هؤلاء ، وازدادوا غروراً وعنجهية ، عندها يرتفع مستوى الإنذار إلى درجة أعلى ليعصف بموجة قاتلة مسومة في متنفس المترفين في الأرض ، وفي لحظات يأكل البحر قرابة النصف مليون إنسان في مناطق السياحة والترف في شواطئ جنوب شرق آسياً ، والحكمة من ذلك هو « لعلهم يرجعون – لعلهم ينتبهون إلى أن هناك قوة حقيقية مهيمنة على الكون كله وبيدها مقاليد كل شيء » فإن لم يحصل الارتداع ، عندها يصدق فيهم قول الله سبحانه وتعالى « وما ظلمناهم ولكن أنفسهم كانوا يظلمون . » ويكونون أقرب شيء من سطوة ربانية عظمى مباغتة لهم ، ومن حكمة الله أن سطوة العقاب تأتي لحظة فرح وثقة واستهزاء بأهل الحق وشعور بالقدرة المطلقة وإحساس بالأمن . (_ )
3- توجيه القول في قرينة السنـن الربانية ووجه علاقتها بالحدث الكوني .
أعلمُ أن هذه القرينة بالذات تعتبر أكثر القرائن غموضاً لتعلقها بأسرار السنن الربانية في تصريف الصراع بين الحق والباطل ، وهي كما ذكرت تحتاج إلى مجلد ضخم لتجليتها وتوضيحها ؛ لذا أفتح المجال للقارئ الحبيب لكي يتدبر الآيات التي تبرز تلك السنن وليقارنها بالواقع المعاصر ، وليدرك في أي المراحل نحن منها ، وليعلم القارئ أن آيات الله واضحة وصريحة لكن تحتاج لدراسة استقرائية تأملية يستطيع أهل الفهم من خلالها معرفة طبيعة هذه المرحلة ، وتصور نوعية العقوبة المتوقعة للأرض .
وهذه القرينة في ظني بالرغم من غموضها إلا أنها أقوى القرائن على حدوث حدث كوني يعصف بالكرة الأرضية جميعاً ، وهذا أوضحه في العناصر التالية :
1- الملاحظ أن كل سنن الهلاك موجودة في عصرنا وبشكل صارخ قد يغفل الكثيرون عن الانتباه له .
2- يلاحظ أن أهل الباطل على وجه الكرة الأرضية كلهم قد استدرجوا للصراع مع أهل الإسلام أو الدين الإسلامي بجميع معالمه على وجه الخصوص ، وهذا أمر
غريب وفيه إشارات عجيبة .
3- نلاحظ أن تضييق الخناق الوحيد في الكرة الأرضية كلها هو فقط على المسلم على وجه الخصوص .
4- يلحظ أن أكـثر المؤتمرات والمؤامرات في الأرض هي للكيد بأهل الإسلام ودينهم .
5- يلحظ أن العالم كله متواطئ ومشارك في جرائم تشريد وقتل وتضييق على المسلمين في الأرض .
6-يلاحظ أن أهل الترف أيضاً قد دخلوا مضمار الشر بأوسع أبوابه لإشاعة الفاحشة والمنكرات في الأرض كلها ، وما زالت جهودهم بازدياد .
7-يلاحظ أن الكرة الأرضية في العصر الحاضر قد اختلفت عن الماضي حيث أشبهت القرية الكونية أكثر من كونها أراضي مترامية الأطراف ، وأصبحت الأمراض القلبية والروحية متشابهة ومتجذرة في أكثر مناطقها .
8- يلاحظ أن إنذارات الهلاك والتي يأخذ بعضها شكل الآيات قد عمت الكرة الأرضية كلها وبنسب متفاوتة مما يوحي بقرب العقوبة وعمومها .
المحصـلة
الملاحظ على الكرة الأرضية كلها أنها أصبحت كتلة واحدة تتضمن معاصي متشابهة ، ومكر واحد وحرب واحدة ومستهدف وحيد وإنذارات متشابهة ، وهذا لأول مرة بهذا الشكل في كامل الكرة الأرضية بما يوحي أن العقوبة ستكون واحدة للجميع ولكن بنسب متفاوتة ، وتكون هذه العقوبة متنفساً للدين الإسلامي لينطلق في عالميته الثانية .
ونموذج عهد نوح عليه السلام في أول البشرية يشهد لذلك فلما كان الصراع واحداً على الأرض ناسب الأمر أن تكون العقوبة شاملة بالطوفان .
وفي آخر البشرية في عصرنا لما تحولت الصراعات الأرضية إلى صراع واحد موجه نحو أهل الرسالة في الأرض ناسب ذلك أن تكون العقوبة أشبه بطوفان قوم نوح ، ولكن بشكل آخر ، وهو آية الدخان لتنهي صفحة بالية من البشرية وتفتح أخرى ممهدة للعالمية الثانية للإسلام وليست منشئة لها .
([1]) أخرجه مسلم برقم 2899[ انظر مسلم بشرح النووي ( 9/ 222) ]
(_ ) الأصل في الكلام أن يحمل على ظاهره ، و تأويل أي نص لا بد له من ضرورة تلجئ إليه لأن الأخذ بالظواهر أسلم ، والضرورة المبيحة لنقل اللفظ من معناه الظاهري إلى غيره هي وجود مانع حقيقي يمنع من حمل النص على ظاهره ، إضافة إلى وجود قرائن مؤيدة للمعنى المؤول دون الحقيقي ، والملاحظ في مسألتنا هنا أنه لا مانع من حمل النص على ظاهره والقرائن المتعددة تؤيد المعنى الحقيقي دون المؤول ، بل المانع الوحيد في نظر الذي يدعيه البعض هو استبعاد تصور فناء التكنولوجيا المعاصرة لأن العلم تراكمي ، وهذا مانع وهمي سيتم مناقشته .
([2]) أخرجه مسلم برقم 2897 [ مسلم بشرح النووي ( 9/219) ]
([3]) أخرجه البخاري برقم 2852 [ البخاري مع الفتح ( 6/66) ]
([4])أخرجه ابن ماجة بطوله برقم 4077 ( 2/1359) ؛ وأبو داود مختصراً برقم 4300 ، وقال شارحه : » أما إسناد المؤلف حديث أبي أمامة فصحيح ، ورواته كلهم ثقات [ عون المعبود ( 11/449 وما بعدها ) ] ؛ والحديث صححه الألباني برقم 13833 [ صحيح الجامع وضعيفه ( 1384) ] .
([5]) أخرجه ابن ماجة برقم 4079 ( 2/1363) ؛قال العدوي : حسن [ الصحيح المسند ( 534) ]
([6]) أخرجه ابن ماجة برقم 4076 ( 2/1359 ؛قال العدوي : صحيح[ الصحيح المسند ( 538) ]
([7]) النحل: من الآية43
(_ ) الإسرائيليات تشمل كتب الأمم السابقة ؛ أي كتب اليهود والنصارى ، وإنما سميت إسرائيليات من باب التغليب ، وهي ثلاثة أقسام : الأول ما ثبت في شرعنا صحته ، وهذا القسم يجوز روايته والاستشهاد به وكذلك لإقامة الحجة عليهم من كتبهم ، القسم الثاني : ما ثبت في شرعنا أنه كذب كمطعنهم في الأنبياء ونحوه ، وهذا لا تجوز روايته ، القسم الثالث : ما لم يثبت لدينا كذبه أو صدقه أو ما هو مسكوت عنه في شرعنا ، وهذا القسم تجوز روايته دون تكذيب أو تصديق له .يقول ابن كثير : « ولسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله ، وهو القسم الذي لا يصدق ولا يكذب .. فنذكره على سبيل التحلي به لا على سبيل الاحتياج إليه أو الاعتماد عليه . » [ البداية والنهاية ( 1/6) ] . قال الشافعي : من المعلوم أن النبي r لا يجيز التحدث بالكذب فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه ، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم . » [ فتح الباري ( 6/575) ] والمسألة التي طرحتها في القرينة هنا إما تدخل في القسم الأول أو الثالث ، والقسمان يجوز الرواية فيهما .
([8]) إنجيل متى ، الإصحاح الرابع والعشرون [ الكتاب المقدس ، العهد الجديد ( 44) ]
([9])إنجيل لوقا ، الإصحاح الواحدوالعشرون [ الكتاب المقدس ، العهد الجديد ( 135 وما بعدها ) ]
([10]) إنجيل مرقس ، الإصحاح الثالث عشر [ الكتاب المقدس ، العهد الجديد ( 80 وما بعدها ) ]
(_ ) الوضع الطبيعي تسمية المكان المقدس باسم فيه تفاؤل ، أما تسميته باسم الخراب فهذا أمر غريب ، ولعل اليهود بهذه التسمية يريدون استغلال المدرسة الإنجيلية المهووسة بعلامات النهاية ونزول عيسى ، فالتسمية دينية لها مآرب سياسية خبيثة ، وكأن اليهود بذلك يوحون للنصارى الإنجيليين بأن نزول عيسى قد اقترب وها هي إرهاصات نزوله تتحقق واحدة تلو الأخرى ، وعلى هذه المدرسة أن تضاعف من دعمها لليهود الذين يعجلون بقرب البشارات ، وبقرب الملحمة الفاصلة التي ينزل في نهايتها عيسى عليه السلام .
([11]) سفر يوئيل الإصحاح2 الفقرة 11، والفقرة 21-22[ الكتاب المقدس،العهد القديم ( 1200وما بعدها )]
([12]) سفر عاموس الإصحاح 8 فقرة 10[الكتاب المقدس ، العهد القديم ( 1211) ]
([13]) سفر حزقيال ، الإصحاح 32 ، فقرة 7-8 [الكتاب المقدس ، العهد القديم ( 1227) ]
(_ ) خلال تتبعي لما يعرف بالكتاب المقدس بعهديه الجديد والقديم ، وجدت أن هذا الحدث بالذات قد تكرر بنفس الوصف تقريباً عدة مرات في العهد القديم وفي أسفار متعددة ، ومجموع هذه النصوص تحكي عن غضب إلهي على البشرية التي حادت عن طريق الصواب ، وبعض النصوص تصف الحدث بأنه أشبه بطوفان نوح من حيث كونه عقوبة عامة تأثرت بها كل البشرية في عهد نوح عليه السلام ، وبعض النصوص تصرح بأن هذا اليوم يتميز بالغيم والضباب وأعمدة الدخان الصاعدة التي تحجز ضوء الشمس والقمر ، وبعضها يصرح بتغيرات جيولوجية بزوال جبال أصيلة ، وبعضها يصرح بجفاف نهر الفرات في تلك المرحلة على وجه الخصوص ، وبعضها يتحدث عن قحط شديد ومجاعة عنيفة ، يعقبه عودة النبات والأنهار والينابيع للصحراء والبرية ، وهذه النصوص على كثرتها لم أشأ أن أثقل كتابي بها مما يشتت فكرته الأصيلة التي اقتصرت على بيان علامات الساعة من أصولها المعتمدة لدينا ، لكن وجود نفس الفكرة في أسفار متعددة وفي حقب تاريخية مختلفة وأنبياء متعددين وتحكي عن حدث واحد قد يعطي مصداقية لوقوع هذا الحدث فهو أشبه بقول النبي r أنه ما من نبي إلا أنذر قومه الدجال ، وهذا الحدث على وجه الخصوص مرتبط بمرحلة الدجال ، فقد تكون هذه من إنذارات أنبياء بني إسرائيل لأقوامهم
([14])هود:43
(_ ) مصطلح ابن الإنسان من مصطلحات أهل الكتاب ، وقد ذكر هذا المصطلح في سفر دانيال بما لا يحتمل إلا أن يكون المراد به هو عيسى r ، والنص يشير إلى نزول عيسى r : وفيه : « كنت أرى في رؤى الليل فإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان أتى وجاء إلى قديم الأيام فقربوه قدامه » [ سفر دانيال ، الإصحاح السابع ، الفقرة 13 ]
([15]) أخرجه عبد الرازق في مصنفه ، ونعيم في الفتن ، وقال عنه البستوي : إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات [ البستوي : المهدي المنتظر ( 220) ]
([16]) الأحزاب:62
([17]) الفتح:23
([18]) الاسراء:77
([19]) فاطر:42، 43
([20]) الغزالي : كيف نتعامل مع القرآن ( 53 وما بعدها )
(_ ) هذه بعض الآيات الدالة على بعض السنن المهلكة : } وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً { [ الكهف:59 ] } وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً { [الاسراء: 16]} بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ { [الأنبياء:18]} قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ { [ النحل:26 ] } وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . { [ يونس 24 ] } وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ، فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ، فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ . { [ الشعراء : 52-59]} فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَـمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ { [ فصلت الآية 15 ]
([21]) النحل:47
([22]) ا لأعراف:133
(_ ) راجع الآيات التي تحكي اللحظات الأخيرة لقوم نوح عليه السلام ، حيث كانت مليئة بالاستهزاء من نوح الذي يبني سفينته في الصحراء ، أما آخر ليلة في قوم لوط عليه السلام فكانت ليلة فرح عظيم واستبشار = =بهؤلاء الغلمان الذين حلوا ضيوفاً على لوط عليه السلام ، أما اللحظة الأخيرة لقوم عاد فكانت تلك الغيوم التي تبشر بمطر عظيم بعد القحط الذي أصابهم .
انتهى البحث بحمد الله
نكمل البحث والمبحث الأخير
يتكلم عن قرائن لا يمكن فهم احاديثها بطريقة علمية إلا من خلال هذا التفسير للأحداث أو تفسير مشابه
ملاحظة / أرجو من أحد المشرفين أن يقوم بإلغاء المشاركة السابقة المكررة فقد حاولت إلغاءها ولكن لم أستطع
قرائن متعددة تعزز احتمالية
وقوع حدث كوني
هذا المبحث ضمنته ثلاث قرائن : إحداهما تشير صراحة إلى أن أنظمة الحرب في مرحلة الملاحم العظمى تكون تقليدية مما يؤكد على أن هذه الحضارة بتكنولوجيتها إلى زوال ، والثانية لها علاقة بنزول عيسى r من خلال نبوءة ذكرها العهد الجديد في الكتاب المقدس لدى النصارى ، وهي تصف طبيعة المرحلة التي ينزل فيها ، وتتفق تماماً مع ما ذكرت ، و الثالثة قراءة قرآنية للسنن الربانية في إهلاك الأمم مقارنة مع واقعنا المعاصر ، وتفصيل ذلك على النحو التالي :
القرينة الأولى : أنظمة الحرب ووسائله في علامات الملاحم وأحاديث العلامات .
المعلوم أننا نعيش في عصر العلم والتكنولوجيا ، وهذا العصر اختلفت فيه أشكال المدنية عن العصور السابقة بشكل ملحوظ ، و أهم اختلاف يعنينا هنا هو وسائل القتال التي اختلفت بشكل جوهري ، بحيث أصبحت وسائل القتال القديمة لا ذكر لها في موسوعة القتال في عصرنا .
والملاحظ على أكثر علامات الساعة التي تتحدث عن مرحلة المهدي والدجال والملحمة العظمى أنها استخدمت العبارات الدالة على وسائل القتال القديمة كالسيف والرمح والخيل وغيرها ، وهذه الوسائل القتالية التي عبرت عنها الأحاديث النبوية بما يخص مرحلة مستقبلية هل هي معاني مجازية دالة على وسائل قتال كل عصر ، أم هي على حقيقتها ؟ والرأي الأخير يستلزم القول بفناء تكنولوجيا العصر ، ويتفرع على هذه القول تساؤل آخر وهو هل يكون فناء هذه المنظومة التكنولوجية المعاصرة بفعل البشر أم لأسباب أخرى ؟
هذا يتطلب منا النظر في النصوص نظرة تأملية ، ونرى هل يمكن حملها على المجاز ، أم لا ، وإذا كنا لا تستطيع حملها على المجاز ، واعتبرناها على حقيقتها ، فهل هذا مؤشر على بعد وقوعها كما يتصور البعض ، هذا نستطيع أن نفصله من خلال دراسة النصوص النبوية ، وتوجيه القول في العلاقة بينها وبين الحدث الكوني وذلك من خلال البندين التاليين :
البند الأول : النصوص الدالة على أنظمة الحرب ووسائله في أحاديث الملاحم .
/ - عَنْ يُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ : هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى : إِلَّا يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ جَاءَتِ السَّاعَةُ . قَالَ فَقَعَدَ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ : } إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ . ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّأْمِ ، فَقَالَ : عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ . قُلْتُ:الرُّومَ تَعْنِي ؟ قَالَ : نَعَمْ وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمُ الْقِتَالِ رَدَّةٌ شَدِيدَةٌ ، فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً ، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ ، فَيَقْتُلُونَ مَقْتَلَةً إِمَّا قَالَ : لَا يُرَى مِثْلُهَا وَإِمَّا قَالَ : لَمْ يُرَ مِثْلُهَا حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِمْ فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيْتًا فَيَتَعَادُّ بَنُو الْأَبِ كَانُوا مِائَةً فَلَا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَيُقْبِلُونَ فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إِنِّي لَأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ ، وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ ، هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، أَوْ مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ . { ([1])
شرح :
هذا الأثر يتحدث عن الملحمة العظمى التي تكون بين المسلمين وبين الروم ، والملاحظ على هذه المعركة عدة أمور يرشد إليها السياق :
- قوله في الحديث أنهم يقتتلون حتى يحجز بينهم الليل إشارة قوية إلى أن نظام القتال سيكون على الطريقة القديمة التي يكون لليل أثر واضح في إيقاف القتال ، أما مع وسائل القتال المعاصرة والتكنولوجيا الحربية فليس لليل أي أثر في منع القتال ، بل على العكس الحروب المعاصرة يعتبر فيها الليل أفضل من النهار مما يدل دلالة واضحة على أن القتال يكون بصورته القديمة التي لا ينفع فيها القتال إلا في النهار ، وهذا دليل واضح في أن من استخدم معول التأويل في النصوص في اعتبار أن السيف في الأحاديث للدلالة على البندقية والخيل على الدبابة لم يوفق في ذلك ؛ لأن الكلام هنا لا يحتمل التأويل ، و إلا كيف نؤول حرباً يحجز الليل فيها بين الجيشين في ظل أجهزة الليزر المعاصرة والتكنولوجيا الحديثة التي لا تفرق بين ليل ولا نهار ؛ إذاً هذا الحديث يتضمن قرينة قوية دالة على فناء تكنولوجيا العصر وعودة البشرية إلى أنظمة القتال القديمة .
- في الحديث إشارة إلى الفوارس العشرة مع تصريح النبي r بمعرفته لأسمائهم وألوان خيولهم ، والأصل أن تحمل الخيول على حقيقتها وهذا يتناسب مع ذكر ألوانها ، إضافة إلى أن وصف الراكبين عليها بأنهم فوارس ، يقتضي أن يكون تحته فرس فهذا الوصف لا يتناسب إلا لذلك ، أما القول بأن المراد بالخيول الدبابات ونحوها ، فهذا تأويل فاسد (_ ) دل سياق الحديث على فساده ، لتضمنه على قرينة معززة للمعنى الحقيقي ، وهي كون أنظمة الحرب تقليدية .
/ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : } لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ : خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ . فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ : لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ r فَأَمَّهُمْ فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ . { ([2])
شرح :
هذا الحديث يتضمن عدة وسائل للقتال على نسق الحروب القديمة ونهجها ، وهذا واضح في عدة أمور منها :
1- القتال هنا على الطريقة التقليدية القديمة [نظام الصفوف و اصطفاف الجيشين للقتال ] وهذا لا يكون إلا في الحروب القديمة التي يستخدم فيها السيف ،
أما الحروب في المفهوم التكنولوجي فلا يلزم فيها مثل هذا الإجراء .
2- التصريح بكلمة تعليق السيوف على الزيتون على حقيقته ، ولو كان المقصود به وسائل حربية أخرى لكان الأولى ذكر كلمة الأسلحة بدلاً من كلمة السيوف ، وكلمة السلاح كلمة عربية وقرآنية ، مما يدل على أن السيوف هنا مقصودة لذاتها لأنها الوسيلة الحقيقية في الملحمة .
3- الإشارة للحربة التي مع سيدنا عيسى r ، وهي من وسائل القتال القديمة .
فهذه الدلالات كلها تشير إلى أن أسلوب القتال من أساليب الحروب القديمة وليست الحديثة ، وهذه الدلالة لا تحتمل التأويل كما يرى البعض ؛ حيث أنه لو أمكن تأويل السيف والحربة ، فليس من السهل تأويل فكرة اصطفاف الصفوف للقتال الدال على أن المعركة من المعارك التي يلتحم بها الجنود مع بعضهم البعض كما هو معهود في الحروب القديمة ، وهو ما لا تحتمله الحروب التكنولوجية المعاصرة .
/ - عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : } الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ . { ([3])
شرح :
هذا الحديث صريح في أن الخيل المعهودة معقود في نواصيها الخير ، والمعلوم أن هذا الخير المقصود في الحديث هو في استخدامها بالقتال ، وهذا صريح في نهاية الحديث بقول النبي r الأجر والمغنم الدال على الجهاد .
والشاهد في الحديث قول النبي r إلى يوم القيامة ، مما يشير إلى عودة استخدامها في الحروب ، وإلا فما قيمة هذه العبارة إذا كان استخدام الخيل في الحروب سيستبدل نهائياً بغيره من الوسائل قبل يوم القيامة ، ولاكتفى النبي r بذكر فائدة الخيل فقط دون ذكر هذه العبارة .
بل هذا الحديث فيه لفتة نبوية عجـيبة ، وهي أن الحالة التي عايشناها في وسائل القتال المعاصرة ليست دائمة ، بل هي تمثل مرحلة طارئة ستنتهي معها ويرجع الأمر إلى سابق عهده في استخدام الوسائل القديمة في القتال ومن ضمنها الخيل .
ولو لم يكن هذا مراداً لما كان هناك حكمة في إيراد النبي r لهذا الكلام وتأكيد بقائه إلي يوم القيامة .
والمعلوم أن الوسائل القتالية المعاصرة لم تكن معهودة قبل قرن من الزمان ، ومدة بقائها المستقبلية مجهولة ، وقد تكون قصيرة جداً ، مما يعزز أنها حالة استثنائية طارئة ضمن حالة عامة تقليدية على مدى البشرية .
/ - جاء في حديث أبي أمامة الطويل عن الدجال : } قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام افْتَحُوا الْبَابَ ، فَيُفْتَحُ وَوَرَاءَهُ الدَّجَّالُ مَعـَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ يَهُـودِيٍّ كُلُّهُمْ ذُو سَيْفٍ مُحَلًّى وَسَاجٍ{ ([4])
أقول :
الحديث صريح في أن سلاح اليهود يكون السيف المحلى ، ولو كان غير ذلك من الأسلحة المعاصرة لاستخدم النبي r كلمة سلاح بدل كلمة السيف ، وكما ذكرت سابقاً أن سياق بعض الأحاديث لا يحتمل تأويل السيف بالأسلحة المعاصرة ؛ لأنها تضمنت إشارات صريحة على أن أنظمة الحرب تنطبق على الأسلوب القديم لا التكنولوجي الحديث .
/ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ : } تُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فَيَخْرُجُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَعُمُّونَ الْأَرْضَ وَيَنْحَازُ مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى تَصِيرَ بَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيَهُمْ حَتَّى أَنَّهُمْ لَيَمُرُّونَ بِالنَّهَرِ فَيَشْرَبُونَهُ حَتَّى مَا يَذَرُونَ فِيهِ شَيْئًا فَيَمُرُّ آخِرُهُمْ عَلَى أَثَرِهِمْ فَيَقُولُ قَائِلُهُمْ : لَقَدْ كَانَ بِهَذَا الْمَكَانِ مَرَّةً مَاءٌ وَيَظْهَرُونَ عَلَى الْأَرْضِ فَيَقُولُ قَائِلُهُمْ : هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْأَرْضِ قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ وَلَنُنَازِلَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَهُزُّ حَرْبَتَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ مُخَضَّبَةً بِالدَّمِ . { ([5])
/ - عن النَّوَّاس بْنَ سَمْعَانَ t أن رَسُولُ اللَّهِ r قَالَ : } سَيُوقِدُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِسِيِّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَنُشَّابِهِمْ وَأَتْرِسَتِهِمْ سَبْعَ سِنِينَ { ([6])
شرح :
هذان الحديثان صريحا الدلالة بما لا يحتمل التأويل أن الأسلحة في زمن ياجوج ومأجوج هي نفس الأسلحة التقليدية القديمة ؛ حيث جاء في الحديث الأول ذكر الحراب ، وهي الرماح ، وفي الأثر الثاني ذكر النشاب والقسي والأترسة ، وقد صرح الأثر الثاني بأن المسلمين سيوقدون من أسلحة يأجوج ومأجوج سبع سنوات مما يدل صراحة على أنها من الخشب ، وهذا الوصف يتفق مع الأسلحة القديمة .
الخلاصـة
يتضح من الأحاديث السابقة أنها تدل صراحة على أن الحروب في الملاحم وبعدها تكون وفق الأساليب القديمة وأسلحتها ؛ لذا جاء ذكر الخيل والسيوف والرماح والحرب فيها ، وهذه الوسائل لا يمكن تأويلها وحملها على الوسائل الحديث لأن الأحاديث نفسها صرحت بأن أنظمة الحرب نفسها تكون تقليدية لا يصلح فيها القتال بالليل ، وتكون الجيوش بنظام الصفوف التي يتلاحم من خلالها الجيشان ، وهذه الأنظمة لا يمكن تصور وجودها إلا إذا كان المستخدم فيها وسائل القتال القديمة فقط ، ويعزز ذلك كله أن النبي r صرح بأن استخدام الخيل في الجهاد سيبقى إلى يوم القيامة مما يؤكد على أننا الآن في مرحلة استثنائية قصيرة أعفيت منها الخيل في الحروب ، لكنها ستعود لتكون الفيصل في المعارك المستقبلية .
البند الثاني : توجيه القول في أنظمة الحرب وعلاقتها بآية الدخان والحدث الكوني .
يلحظ مما سبق أن الأحاديث الدالة على ملاحم آخر الزمان كلها تشير إلى أن الأسلوب المتبع فيها هو أنظمة الحرب القديمة ووسائلها ، وهي لا تحتمل التأويل كما يظن البعض ، وهذا يُخلصنا إلى نتيجة حتمية وهي : إن الوسائل الحربية المعاصرة لا محالة ستؤول إلى فناء .
وهذا أمر يستبعده البعض لأن العلم والمعرفة تراكمية ، والأصل في الإنسان أن يزداد تطوراً ، وليس من السهل من الناحية العقلية تصور العودة للوراء خاصة من الناحية العلمية والتكنولوجية ؛ لذا عمد هؤلاء إلى سلاح التأويل في النصوص النبوية ، وكما ذكرت سابقاً أن هذه النصوص تضمنت في طياتها ما يمنع هذا التأويل ويبطله ، والقرينة التي اعتمدها هؤلاء في تأويلهم ما ظنوه مسلمة في أن هذا التطور ليس من السهل اندثاره من ذاكرة البشرية .
والبعض الآخر يرى أن معاني النصوص على حقيقته ؛ لكنه يجد في نفس الوقت أن ذلك قرينة إلى أن بيننا وبين هذه الملاحم العظمى قرون ، والذي دفعهم إلى هذا الفهم هو نفس المسلمة السابقة ، وهي عدم تصورهم اندثار كل هذا التطور والتكنولوجيا بسهولة ، بل يحتاج الأمر لقرون لتصوره .
أما من رأى قرب وقوع الحدث فقد ربطه أيضاً بسبب بشري ؛ حيث تصور هؤلاء قيام حرب عالمية ثالثة تكون مدمرة ، ويترتب عليها فناء كل أسلحة العصر .
والحق في ظني بخصوص هذه المسألة أن أنظمة الحرب في الملاحم المذكورة أنظمة قديمة ، و هذه الوسائل التي ذكرها من أوتي جوامع الكلم ، ورأى ما هو كائن إلى يوم القيامة من خلال الوحي الرباني يعتبر أكبر قرينة على ما ذكرته بأن هناك حدثاً كونياً مهولاً سيعصف بالكرة الأرضية يؤثر على كل أنظمتها أو قوانينها التي استمدت من خلالها المدنية الحديثة القدرة التكنولوجية المعاصرة ، والمعلوم أن أي اختلال في الغلاف الجوي له آثاره على الاتصالات وعلى الطيران ..إلخ
فهذه القوانين التي درسها الإنسان واستطاع من خلالها الاستفادة من الثبات النسبي فيها في عصرنا في كثير من مخترعاته قد يطرأ عليها تغير مفاجئ يخل بها جميعاً .
فإذا صادف الأمر حدثاً كونياً مهولاً تضطرب معه الأرض ، وتحدث معه المجاعات والأوبئة وتتغير الأولويات ، و تغيب من خلاله مدنيات مع أسرارها بأكملها ، فعندها يسهل علينا تصور الدواعي والأسباب التي تعيد الحروب إلى سابق عهدها .
وما يراه البعض يحتاج إلى قرون قد لا يحتاج في بادئ الأمر إلى ساعات حاسمة مغيرة لكل ما نحن عليه ؛ لذا لا يُستبعد حدوثه في كل لحظة كما يرى بعض أهل الاختصاص .
وما أقوله ليس ضرباً من الخيال ، بل مثل هذا الانهيار التكنولوجي والمدني المعاصر لا يغيب عن مخيلة كثير من علماء العصر ، بل تصوره في أفهامهم أكثر من تخيلنا له .
ومن درس طبيعة الأنظمة المعقدة التي تحكم الكرة الأرضية ، ومدى ترابطها مع بعضها لدرجة أن حدثاً قد يراه البعض بسيطاً يقع في ناحية منها يكون له الأثر على أنظمة كثيرة في الكرة الأرضية ، فمثل هذه الدراسة لأنظمة الكرة الأرضية والتي يعيها العلماء جيداً تجعل تصورنا للأمر وتوابعه المدمرة أكثر تقبلاً .
وحتى يتضح الأمر أقول : ظاهرة بسيطة في عصرنا تسمى ظاهرة الانحباس الحراري ( الدفيئة ) يرى فيها العلماء المتخصصون آثاراً مدمرة قد تنهي الحياة المدنية المعاصرة ، ويربطون بينها وبين حصول أعاصير مدمرة وأوبئة قاتلة ، ومجاعات وقحط ، وحروب طاحنة ، وتغير بيئي ومناخي وغرق مدن ، بل دول بأكملها تحت الماء ، واختلال في كثير من القوانين التي تحكم الكرة الأرضية .
و الإنسان البسيط منا قد يصعب عليه الربط بين كل ما ذكرت وبين ظاهرة الانحباس الحراري ، ولكن العلماء المتخصصون نظراً لفهمهم مدى تعقد الظواهر الطبيعية والمناخية وترابطها يجدون تفسيراً واضحاً لكل تصوراتهم هذه .
فإذا كانت هذه تصورات العلماء المستقبلية لظاهرة بسيطة كظاهرة الانحباس الحراري ، فكيف تكون تصوراتهم لو سقط على الأرض نيزك ضخم قوته التدميرية والحرارية تعادل مئة ألف قنبلة نووية ؟
فمثل هذا الحدث الكوني الضخم يصعب حتى على البشرية تصور كل توابعه ، والقول بقدرته على إنهاء كل أشكال المدنية المعاصرة يعتبر من أسهل التوقعات وأقربها للواقع في تصورات أهل الاختصاص . } فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ { ([7])
خلاصة القول :
الآثار النبوية التي تتحدث عن ملاحم مستقبلية تشير صراحة إلى أن أنظمة القتال ووسائله فيها هو الأنظمة القديمة مما يدل على أن المدنية الحديثة بكل صورها حتماً إلى فناء ، وهذه قرينة قوية دالة على أن هناك حدثاً عظيماً غير معهود سيصيب الكرة الأرضية ، وهذا الحدث سيؤثر عليها بالكلية . ولا يتصور فناء المدنية الحديثة نتيجة لأحداث بسيطة كالزلازل والبراكين وغيرها ، ولا حتى عن طريق الحروب العظمى ، فمثل هذه الأمور قد تخل بالقدرة العلمية والتكنولوجية ، ولكنها لا تؤدي إلى فنائها ، وهذا ملاحظ بعد الحربين العالميتين .
القرينة الثانية : توصيف عيسى r لمرحلة نزوله كما وردت في الإنجيل .
هذه القرينة هي الوحيدة في كتابي بأكمله التي أذكر فيها بعض الإسرائيليات ، وبالرغم من دراستي التي أزعم أنها واسعة لكتب الديانات السابقة خاصة في كل ما يتعلق بالإشارات المستقبلية إلا أنني وجدت في الكتاب والسنة ما يشفي الغليل في فهم كل ملابسات الفتن والملاحم وعلامات الساعة فاقتصرت عليها في كتابي ، وهذا هو الأصل لأنها المصادر الأصيلة المعتبرة لدينا ، أما باقي المصادر خاصة كتب الديانات السابقة فقد ثبت لدينا أنها قد حرفت ؛ لذا لا نسلم من الخلل والزلل خلال التعاطي معها ، وهذا ما حذا بي إلى ترك كثير من الاستشهادات حتى التي توافق شرعنا .
لكن في هذا الفصل بالذات نظراً لغموضه وتعلقه بمرحلة الدجال التي يليها نزول عيسى r رأيت أن أذكر بعض النصوص الواردة في الإنجيل التي تحكي طبيعة تلك المرحلة ، وأذكرها هنا في باب القرائن فقط استئناساً ومحاكمة وليس استشهاداً ، خاصة في خبر ورد في الكتب السابقة لا يتعارض مع ما تدل عليه الأدلة في شرعنا ، وهذا الوجه جائز في رواية الإسرائيليات ، ويدخل تحت باب « حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج . » (_ )
فقد ورد في الإنجيل أن عيسى r أخبر حواريه عن مرحلة نزوله ، فطلبوا منه الأمارات الدالة على ذلك وهذه النصوص الواردة في ذلك : « تقدم إليه التلاميذ على انفراد قائلين ، قل لنا : متى يكون هذا وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر ؟ فأجاب يسوع وقال لهم : انظروا لا يضلكم أحد . فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو المسيح ويضلون كثيرين وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب .. وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن ، لكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع ، حينئذ يسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمي ، وحينئذ يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضاً ويبغضون بعضهم بعضاً ، ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين .. فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس ليفهم القارئ ، فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال ... وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت ؛ لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون ، ولو لم تقصَّر تلك الأيام لم يخلص جسد . ولكن لأجل المختارين تُقَصَّر تلك الأيام .. وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه ، والنجوم تسقط من السماء .. وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان. » ([8])
هذا النص الأول في إنجيل متى وكرر نفس الموضوع في إنجيل مرقس وإنجيل لوقا ، مع بعض الاختلافات الهامة أذكرها هنا .
« وتكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة ، وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء ، وقبل هذا يلقون أيديهم عليكم ويطردونكم ويسلمونكم إلى مجامع وسجون وتساقون أمام ملوك وولاة .. وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم ، وعلى الأرض كرب . أمم بحيرة . البحر والأمواج تضج ، والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة لأن قوات السماء تتزعزع . » ([9])
« .. ومتى رأيتم رجسة الخراب التي قال عنها النبي دانيال قائمة حيث لا ينبغي ..وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ؛ لأنه يكون في تلك الأيام ضيق لم يكن مثله منذ ابتداء الخليقة التي خلقها الله إلى الآن ولن يكون ، ولو لم يقصر الرب تلك الأيام لم يخلص جسد ، ولكن لأجل المختارين الذين اختارهم الله قصر الأيام .. أما في تلك الأيام بعد ذلك الضيق فالشمس تظلم والقمر لا يعطي ضوءه ونجوم السماء تتساقط . » ([10])
هذه أبرز النصوص التي تطرقت إلى مرحلة نزول عيسى r ، و لكي نفهمها جيداً أشير هنا إلى أن الخطاب هنا موجه للحواريين ، وهم مسلمو تلك المرحلة ، أما الخطاب المستقبلي فسيكون لمن هو على شاكلتهم من مسلمي مرحلة النزول ، وهم أتباع محمد عليه السلام .
محاكمة النصوص السابقة ومقارنتها مع ما ثبت في شرعنا :
الواضح من سياق النصوص السابقة أنها تحكي إرهاصات المرحلة التي تسبق نزول عيسى r وعلاماتها ، ولعل أعم العلامات التي ذكرها عيسى r :
1- خروج أدعياء النبوة [ أنبياء كذبة ومسحاء كذبة ] ، وهذه العلامة أخبر النبي محمد r عنها أنها من علامات الساعة ، وذكر ثلاثين دعياً للنبوة يكون آخرهم المسيح الدجال ، لكن أضيف هنا أن هذه العلامة من عيسى r قد يكون فيها إشارة إلى المدرسة الإنجيلية الأصولية ذات الإمكانات الهائلة و القنوات التبشيرية التلفزيونية المليونية التي يعج بها الغرب ، والمعلوم أن هؤلاء قد اخضعوا تعاليم الدين المسيحي إلى المآرب السياسية والمصالح الشخصية فأضلوا الكثيرين ولهم صولات وجولات كثيرة في التأثير على الرأي العام وعلى توجهات الشعوب حسب مآربهم .
2- زلازل عظيمة ومجاعات وأوبئة : وهذه ذكرت في النصوص السابقة الثلاثة ، وفي بعضها جاءت الإشارة إلى زلازل في أماكن ، مما يشير إلى عدم عمومها ، وهذه العلامة عبر عنها نبينا محمد r بصيغتين الأولى : كثرة الزلازل ، وسنوات الزلازل ، ثم بالخسوف الثلاثة التي تكون في أماكن مخصوصة ، وما دام النص الإنجيلي يخبر عن مرحلة عودة عيسى r إذا يراد بها علامة لم تأت بعد كما ذكرت سابقاً وهي سنوات الزلازل ، أو الخسوف الثلاثة[ خسف المشرق – خسف المعرب – خسف جزيرة العرب ] .
3- رجسة الخراب : وهذه علامة لم تذكر في نصوصنا الشرعية والمراد بها والله أعلم قيام هيكل اليهود ، وجاءت الإشارة في بعض النصوص إلى قيام رجسة الخراب في المكان المقدس حيث لا ينبغي لها مما يشير إلى أنها وإن كان الهدف من قيامها ديني إلا أنه ليس لله ؛ لذا استحق كلمة الرجس التي هي صنو النجس ، والغريب أن اليهود في أحد حلقات هجمتهم على بيت المقدس قاموا ببناء أو تجديد كنيس في القدس على مقربة من المسجد الأقصى أسموه كنيس الخراب (_ ) واعتبروا أن بناءه إشارة إلى إعادة الهيكل ، وما زالت الحملة مستمرة لتهويد القدس ولا نعلم ما هي آخر حلقاتها .
4- علامات كونية تسبق نزول عيسى r : وهذه جاء التعبير عنها بعدة أشكال في النصوص السابقة : « فالشمس تظلم والقمر لا يعطي ضوءه ونجوم السماء تتساقط » « وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه ، والنجوم تسقط من السماء » « وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم » « وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء » ، وجاء في أسفار العهد القديم توصيف لنفس الحدث وتعلقه بيوم عظيم يسبق يوم القيامة ، ففي سفر يوئيل : « قدامه ترتعد الأرض وترجف السماء الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها » « وأعطى عجائب في السماء والأرض دماً وناراً وأعمدة دخان ، تتحول الشمس إلى ظلمة ، والقمر إلى دم قبل مجيء يوم الرب العظيم المخوف . » ([11]) وفي سفر عاموس : « ويكون في ذلك اليوم أني أغيب الشمس في الظهر ، واقتم الأرض في يوم نور » ([12]) وفي سفر حزقيال : « وعند إطفائي إياك أحجب السموات وأظلم نجومها ، وأغشي الشمس بسحاب والقمر لا يضيء ضوءه وأظلم فوقك كل أنوار السماء المنيرة ، وأجعل الظلمة على أرضك . » ([13]) هذا أبرز العلامات الفلكية الحاصلة قبل نزول عيسى r ضمنتها بعض نصوص العهد القديم التي تحكي نفس الحدث والمواصفات (_ ) ، وهي تعبر بشكل جيد عما ذكرته سابقاً ، فظلام الشمس وعدم إعطاء القمر لضوئه كناية عن الحجاب الذي يحجبهما عن الأرض ، وهو آية الدخان ، أو الدخان المتولد والمستقر في الغلاف الجوي بسبب نزول كسف. أما النجوم التي تتساقط فهي كناية عن الكسف الساقط أو الحاصب المسوم ، والنص السابق يربط بين علامات عظيمة في السماء وبين مخاوف على الأرض ، وبينت النصوص أن هناك مخاوف عظيمة بين الناس لما يتوقعونه من نتائج خطيرة لهذه العلامات ، وفيها إشارة إلى تيقنهم بأن ما يقع بهم هو غضب رباني ترتب عليه تسلط جنود السماء عليهم ، وهذا عبرت عنه النصوص بقولها « والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة لأن قوات السماء تتزعزع . » ولاحظ أن النص استخدم كلمة يغشى ، وهي نفس الكلمة التي جاء ذكرها في آية الدخان ، كذلك حالة الانتظار هنا فيها دلالة على أن علامات السماء تظهر أولاً ثم بعد برهة من الزمان تسقط على المسكونة ، وهذا يتفق مع الآثار التي ذكرتها سابقاً من ظهور النجم ( النيزك ) ثم بعد ذلك سقوطه في المشرق .
5- تقارب الزمان : وهذه العلامة عبر عنها النص الإنجيلي بعدة عبارات منها : « ولو لم يقصر الرب تلك الأيام لم يخلص جسد ، ولكن لأجل المختارين الذين اختارهم الله قصر الأيام » « ولو لم تقصَّر تلك الأيام لم يخلص جسد . ولكن لأجل المختارين تُقَصَّر تلك الأيام » وهذه العلامة أخبر عنها نبينا محمد r في عدة أحاديث ذكرتها في موضعين من الكتاب ، أحدهما هذا الفصل إلا أن النص هنا فيه ثلاث إشارات عجيبة :
الأولى : فيه تأكيد على أن تقارب الزمان على حقيقته .
والثانية : تقارب الزمان له علاقة بمرحلة الحدث الكوني أو العلامات التي في السماء ؟
والثالثة: فيه بيان للحكمة من حصول هذه العلامة وهو أن بسببها ينجو الكثيرون من أهل الأرض بقوله « ولو لم يقصر الرب تلك الأيام لم يخلص جسد » وأن هذه العلامة سيقت أصالة من باب الرحمة الربانية والعصمة الإلهية لأهل الله في الأرض ، أو أولياء الله في الأرض أو المختارين وهي من باب« لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ » ([14])
7- كرب ـ حيرة ـ أمواج ثائرة . وهذه العلامة عبر عنها النص الإنجيلي « وعلى الأرض كرب . أمم بحيرة . البحر والأمواج تضج » أما وجود الكرب والحيرة فهذه عبرت عنها الأحاديث النبوية كثيراً وفي مناسبات عدة ، وأي حيرة أعظم من أن يتقلب الإنسان بين النقيضين خلال ساعات « يصبح مؤمنا ويمسي كافراً » وأي كرب أشد من أيام الصبر التي يكون القابض فيها على دينه كالقابض على الجمر ، أو يتمرغ فيه الرجل على القبر متمنياً الموت وغابطاً أهل القبور ، لكن يلاحظ في النص السابق أنه أشار إلى علامة بحرية لها علاقة بالعقوبة وهي الأمواج الثائرة ، والواقع يشهد لهذه العلامة ، وموجة تسونامي الأخيرة كانت آية من الآيات ، ولعله يكون بعدها موجات بحرية وأعاصير عاصفة أخرى نسأل الله السلامة .
8- علامة ابن الإنسان : ، وهذه العلامة ذكرتها النصوص السابقة بعد أحداث أرضية وسماوية متعددة كذهاب ضوء الشمس والقمر ، وتساقط النجوم ، وجاء التعبير عن هذه العلامة بالتالي : « وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان . » ؛ أي بعد هذه الأحداث تظهر هذه العلامة ، ودلالتها تشير إلى إنسان يخرج في آخر الزمان وتكون هناك بعض العلامات الدالة عليه ، وهي من الخوارق ، أو من إرهاصات خروجه ، وهذا النص يحتمل ثلاثة أمور :
الأمر الأول :
يحتمل أن يكون المقصود به هو عيسى عليه السلام ، خاصة أن سياق النصوص يشير إلى أن عيسى عليه السلام ذكر علامات عودته ومجيئه ، وقد لاحظت تكرار هذه العبارة في مواضع متعددة ويقصد بها عيسى عليه السلام ، وهذا الاحتمال هو ما أرجحه ، خاصة أن قرائن متعددة تدل عليه (_ ) .
الأمر الثاني :
يحتمل أن يكون المقصود بذلك هو المهدي t الذي يكون خروجه في تلك المرحلة ؛ وجاء النص ليشير إلى علامة تظهر عند خروجه ، وهذه العلامة هي المقصودة في الأثر الوارد عن علي بن عبد الله بن العباس حيث قال: » لا يخرج المهدي حتى تطلع مع الشمس آية.« ([15])
ويحتمل أن تكون العلامة أيضاً الخسف الذي يقع في جزيرة العرب في الجيش الذي يقصد قتال المهدي ، فهذا الحدث هو من أكبر دلائل مصداقية خروج المهدي t .
الأمر الثالث :
يحتمل أن يكون المقصود بذلك هو الدجال الذي حذر منه كل الأنبياء ومن ضمنهم عيسى r ؛ لذا مع هذه الأحداث تبدأ إرهاصات خروجه وعلاماتها ، ووصفه بابن الإنسان يراد به هنا بيان حقيقته ، وكذبه في ادعائه للربوبية .
القرينة الثالثة : السنن الربانية في إهلاك الأمم .
القرآن الكريم منهاج الأمة الخالد ونبراس الحق ، ونور القلوب في استلهام مجريات الصراع بين الحق والباطل ، وقد تضمن سنناً ثابتة للنصر أو الهزيمة ، للبقاء أو الهلاك ، وهذه السنن المنثورة في القرآن الكريم ضمن سياقات محددة تشير بوضوح إلى أن هناك قانوناً ربانياً عاماً مبنياً على أسباب ونتائج – وفق قدر الله – وهذا القانون يتحدد من خلاله بقاء أمة أو هلاكها ، وهذا القانون شأنه شأن القوانين الطبيعية الأخرى التي قدرها الله سبحانه وتعالى في الكون بحيث يترتب على وقوع السبب حصول النتيجة المترتبة عليه ، بل السنن الربانية في إهلاك الأمم أكثر ثباتاً من القوانين الطبيعية في الكون ، والذي دل على كونها أكثر ثباتاً هو الذي قدرها ، وهو الله سبحانه وتعالى .
يقول الله سبحانه وتعالى : } سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً{ ([16]) } سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً { ([17]) } سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً { ([18]) } وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً، اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً{ ([19])
فالآيات تشير صراحة إلى هذا القانون الإلهي المقدر والمبني على السبب والنتيجة في تصريف الأمم وهلاكها والآيات واضحة الدلالة على ثبات هذه السنن ، وهذا المعنى أشار إليه محمد الغزالي بقوله : » .. والأساس أن القرآن نبه فعلاً إلى أنه كما توجد سنن كونية في إطار المادة تجعل درجة الغليان مثلاً عند المائة ، ودرجة التجمد عند الصفر ، أو تجعل للغازات ضغوطاً معينة .. كذلك الأمر في الحضارات البشرية ، وانهيارات الأمم وانتصاراتها : إنها تخضع لقوانين لا يمكن أن تتبدل .. سنن الله في المجتمعات هي صور أخرى مكملة أو امتداد طبيعي لسننه في العلوم التطبيقية .. ليس هناك فوضى في الكون من ناحية البناء العلمي له ، ومن ناحية الانطلاق الحضاري ، سنن قائمة بيقين ، وسنن ثابتة . « ([20])
كلام الغزالي صريح ، ولا يحتاج إلى تعقيب ، والآيات السابقة دلالتها واضحة على أن الأمم – من حيث الزوال أو البقاء - تحكمها قوانين ربانية ثابتة لا تتبدل ولا تتحول ما دامت السماوات والأرض ، ولئن كان الغرب أوفق منا في اكتشاف قوانين الطبيعة وتوظيفها في الحياة من خلال التأمل في آيات الله المنظورة ، فنحن أولى منه في اكتشاف قوانين السماء في صراع الحق والباطل من خلال التأمل في آيات الله المقروءة والدالة على هذه القوانين ، وهذا باب عظيم غفلنا عنه ، ولا يتسع مجال البحث هنا لملاحقته ؛ لأن هذا الموضوع لوحده يحتاج إلى مجلد ضخم ، لذا سأقتصر هنا على بعض الإشارات التي سأخلص منها إلى نتيجة تعتبر قرينة دالة على وقوع حدث كوني هائل يعصف الكرة الأرضية .
1- السنن الربانية المهلكة . (_ )
خلال استقراء قمت به لكتاب الله والسنن المبثوثة فيه مقارنة بواقعنا المعاصر وجدت أن أكثر هذه السنن قد تجسدت في العالم بما يوحي بقرب عقوبة ربانية تتناسب و طبيعة الجرم ، ولعل أهم السنن الربانية المهلكة والمذكورة في القرآن هي الظلم ، وهو مشاهد في عصرنا بشكل واضح وبكامل صوره سواء كان الكفر بعينه أو الظلم الاجتماعي أو الظلم الاقتصادي أو الظلم لأهل الله سبحانه وتعالى في الأرض بإثارة الشبهات حولهم وببث الشهوات بينهم ، أو بتعذيبهم أو تكذيبهم أو حصارهم اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً أو بالمكر بهم وملاحقتهم .
ومن هذه السنن أيضاً الاستكبار والعلو في الأرض والنموذج العادي والفرعوني لحظة هلاكهما موجودان في عصرنا وهناك من نرى لسان حاله يقول : من أشد منا قوة ، ومن يرى أن أهل الله سبحانه وتعالى في الأرض شرذمة قليلون ، وهناك من يرسل إلى المدائن بل إلى الدول ليحشر كل طاقاته وجيوشه للكيد بالإسلام وأهله ، وهناك من يرى استخدام القوة بأبشع صورها مع كل من يثبت على دينه ، ويتمثل منطق فرعون القائل : سنقتل أبنائهم ، ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون .
ومن هذه السنن الكيد لأهل الله من خلال التآمر عليهم ، وهذا واضح في عصرنا ، ومكرهم لا تزول منه الرجال فقط بل تزول منه الجبال ، سواء كان مكراً بالقرآن نفسه أو بالسنة أو بمدارس القرآن أو بالمناهج الدينية حتى لو كانت تتضمن قصوراً ، أو بتعاليم الإسلام وثوابته من خلال ملاحقة المرأة العفيفة والكيد بها ومصادرة فكرها التليد ، وبث الأفكار المسمومة في ذهنها باسم تحرير المرأة أو حقوقها .
ومن السنن المهلكة أيضاً تحرك المترفين في الأرض ليفسدوا فيها فساداً موجباًً للعقاب ، وهذا ملاحظ في عصرنا حيث يؤمر المترفون أمراً بأن يكون لهم نصيب في الإفساد من خلال الفضائيات الخاصة وأماكن اللهو و وعروض الأزياء وغيرها .
ومن هذه السنن أيضاً تزين الأرض التي يترتب عليها ثقة الإنسان العمياء بنفسه وسيطرة الوساوس الشيطانية عليه بأنه قادر علي كل شيء ، فهو يملك أن يتحكم بعناصر الطبيعة حوله كيفما يشاء ، بل هو قادر لأن يتحكم في الأجنة قبل خروجها من بطونها ، وفي النبات قبل بروزه من الأرض .
ومن السنن المهلكة انتشار الفاحشة والموبقات في الأرض ؛ حيث لم تعهد البشرية انتشاراً للفاحشة والإعلان بها عبر أجهزة التلفاز والفضائيات والانترنت كما نعهد في عصرنا .
ومن السنن المهلكة أيضاً فتح باب المواجهة بين الحق والباطل ، وهذا ملاحظ حتى أصبح المستهدف الوحيد في الأرض هو المسلم و دينه ورسوله وكتابه ، بل استُدرج كل ملوك الأرض وتناسوا كل خلافاتهم واتفقوا على حرب واحدة لأول مرة على مستوى الكرة الأرضية بأكملها .
2- الإنذارات التي تسبق الهلاك .
هذه بعض السنن المهلكة ، وهناك كثير من الآيات القرآنية الدالية عليها ، ويلحظ أن تجسدها في المجتمع المعاصر قد رافقه بعض الإنذارات الربانية الخفيفة التي تعتبر إرهاصاً بين يدي العذاب الأليم ، وإشارة إلى قربه ، فالمعلوم أنه قبل نزول العذاب الممحق تأتي بعض الإنذارات الربانية من باب الرأفة والرحمة ، وهذه أشار إليها الله سبحانه وتعالى في سورة النحل حيث قال : } أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ { ([21]) فهذه الآية فيها إشارة عجيبة وهي أن حكمة الله سبحانه وتعالى تقتضي أحياناً أن يأخذ القوى الكافرة العظمى على تخوف ؛ والمراد بالتخوف الإنقاص من قدرتها تدريجياً سواء كان ذلك من الناحية الاقتصادية في الغالب أو من الناحية العسكرية والنفسية ، وذلك من خلال تسليط جنود الله التي لا يعلمها إلا هو عليها ، وإنذارات التخوف هذه ملاحظة في عصرنا ، ولكي يتم فهم المراد بها أسوق نموذجاً قرآنياً دالاً عليها وقع مع قوة عظمى في الماضي ، وهي دولة فرعون التي أرسل الله سبحانه وتعالى عليها بعض الآيات كإنذار قبل العقوبة الماحقة ، يقول الله سبحانه وتعالى : } فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ{ ([22]) فهذه الآيات ابتلي بها قوم فرعون ، وكانت بمثابة إنذار لهم ، وهذه الإنذارات أو الآيات نراها بأم أعيننا تصيب القوى العظمى وغيرها من دول الكفر أو الظلم ، فالأعاصير المتكررة وموجات الجفاف ، والأمراض الماحقة في الزراعة والحيوان والطير والإنسان ، فالعالم ابتلي بالإيدز ، و الغرب ابتلي بجنون البقر وانفلونزا الخنازير ، والشرق بأنفلونزا الطيور ، والأمراض الثلاثة السابقة في الإنسان والطير والحيوان تعتبر من باب الآيات حقاً فنحن في عصر العلم ، وعصر الثقة العمياء للإنسان بقدراته ، وبالرغم من ذلك هناك من الأمراض المهلكة التي أعجزت البشرية وحارت في فهم أسرارها ، وأثقلت ميزانية الدول بتكاليف باهظة ، وهذا هو معنى قول الله « يأخذهم على تخوف » .
وهذا يهيج سؤالاً في هذا المقام وهو ماذا ستؤثر تلك الأمراض على الدول العظمى الظالمة ؟ ولماذا لم يكن هناك عقوبة رادعة قوية لهم على كفرهم وضلالهم .
وللإجابة على هذا السؤال أقول :كم سيؤثر القمل على دولة عظمى كدولة فرعون ؟ وبالرغم من ذلك اعتبره القرآن آية من الآيات لما فيه من تنغيص لحياة أهل الباطل وإنذار لهم .
وهذه سنة ربانية تساق دائماً قبل العذاب ووجه الحكمة فيها أن طبيعة العذاب الرباني أنه شامل وممحق و أليم ومباغت ، لذا ناسب الأمر أن يكون له بعض الإرهاصات المحذرة من باب الرأفة والرحمة كما صرحت الآية في سورة النحل .
لذا الأعاصير تأخذ جانباً من اقتصاد الدول العظمى وتنغص عليها حياتها التي ترنو إليها ، وكذلك جنون البقر والإيدز وغيره من الأمراض لها نصيب ، وللحتباس الحراري نصيب ، فإن لم يكن لهذه الإنذارات صدى في قلوب هؤلاء ، وازدادوا غروراً وعنجهية ، عندها يرتفع مستوى الإنذار إلى درجة أعلى ليعصف بموجة قاتلة مسومة في متنفس المترفين في الأرض ، وفي لحظات يأكل البحر قرابة النصف مليون إنسان في مناطق السياحة والترف في شواطئ جنوب شرق آسياً ، والحكمة من ذلك هو « لعلهم يرجعون – لعلهم ينتبهون إلى أن هناك قوة حقيقية مهيمنة على الكون كله وبيدها مقاليد كل شيء » فإن لم يحصل الارتداع ، عندها يصدق فيهم قول الله سبحانه وتعالى « وما ظلمناهم ولكن أنفسهم كانوا يظلمون . » ويكونون أقرب شيء من سطوة ربانية عظمى مباغتة لهم ، ومن حكمة الله أن سطوة العقاب تأتي لحظة فرح وثقة واستهزاء بأهل الحق وشعور بالقدرة المطلقة وإحساس بالأمن . (_ )
3- توجيه القول في قرينة السنـن الربانية ووجه علاقتها بالحدث الكوني .
أعلمُ أن هذه القرينة بالذات تعتبر أكثر القرائن غموضاً لتعلقها بأسرار السنن الربانية في تصريف الصراع بين الحق والباطل ، وهي كما ذكرت تحتاج إلى مجلد ضخم لتجليتها وتوضيحها ؛ لذا أفتح المجال للقارئ الحبيب لكي يتدبر الآيات التي تبرز تلك السنن وليقارنها بالواقع المعاصر ، وليدرك في أي المراحل نحن منها ، وليعلم القارئ أن آيات الله واضحة وصريحة لكن تحتاج لدراسة استقرائية تأملية يستطيع أهل الفهم من خلالها معرفة طبيعة هذه المرحلة ، وتصور نوعية العقوبة المتوقعة للأرض .
وهذه القرينة في ظني بالرغم من غموضها إلا أنها أقوى القرائن على حدوث حدث كوني يعصف بالكرة الأرضية جميعاً ، وهذا أوضحه في العناصر التالية :
1- الملاحظ أن كل سنن الهلاك موجودة في عصرنا وبشكل صارخ قد يغفل الكثيرون عن الانتباه له .
2- يلاحظ أن أهل الباطل على وجه الكرة الأرضية كلهم قد استدرجوا للصراع مع أهل الإسلام أو الدين الإسلامي بجميع معالمه على وجه الخصوص ، وهذا أمر
غريب وفيه إشارات عجيبة .
3- نلاحظ أن تضييق الخناق الوحيد في الكرة الأرضية كلها هو فقط على المسلم على وجه الخصوص .
4- يلحظ أن أكـثر المؤتمرات والمؤامرات في الأرض هي للكيد بأهل الإسلام ودينهم .
5- يلحظ أن العالم كله متواطئ ومشارك في جرائم تشريد وقتل وتضييق على المسلمين في الأرض .
6-يلاحظ أن أهل الترف أيضاً قد دخلوا مضمار الشر بأوسع أبوابه لإشاعة الفاحشة والمنكرات في الأرض كلها ، وما زالت جهودهم بازدياد .
7-يلاحظ أن الكرة الأرضية في العصر الحاضر قد اختلفت عن الماضي حيث أشبهت القرية الكونية أكثر من كونها أراضي مترامية الأطراف ، وأصبحت الأمراض القلبية والروحية متشابهة ومتجذرة في أكثر مناطقها .
8- يلاحظ أن إنذارات الهلاك والتي يأخذ بعضها شكل الآيات قد عمت الكرة الأرضية كلها وبنسب متفاوتة مما يوحي بقرب العقوبة وعمومها .
المحصـلة
الملاحظ على الكرة الأرضية كلها أنها أصبحت كتلة واحدة تتضمن معاصي متشابهة ، ومكر واحد وحرب واحدة ومستهدف وحيد وإنذارات متشابهة ، وهذا لأول مرة بهذا الشكل في كامل الكرة الأرضية بما يوحي أن العقوبة ستكون واحدة للجميع ولكن بنسب متفاوتة ، وتكون هذه العقوبة متنفساً للدين الإسلامي لينطلق في عالميته الثانية .
ونموذج عهد نوح عليه السلام في أول البشرية يشهد لذلك فلما كان الصراع واحداً على الأرض ناسب الأمر أن تكون العقوبة شاملة بالطوفان .
وفي آخر البشرية في عصرنا لما تحولت الصراعات الأرضية إلى صراع واحد موجه نحو أهل الرسالة في الأرض ناسب ذلك أن تكون العقوبة أشبه بطوفان قوم نوح ، ولكن بشكل آخر ، وهو آية الدخان لتنهي صفحة بالية من البشرية وتفتح أخرى ممهدة للعالمية الثانية للإسلام وليست منشئة لها .
([1]) أخرجه مسلم برقم 2899[ انظر مسلم بشرح النووي ( 9/ 222) ]
(_ ) الأصل في الكلام أن يحمل على ظاهره ، و تأويل أي نص لا بد له من ضرورة تلجئ إليه لأن الأخذ بالظواهر أسلم ، والضرورة المبيحة لنقل اللفظ من معناه الظاهري إلى غيره هي وجود مانع حقيقي يمنع من حمل النص على ظاهره ، إضافة إلى وجود قرائن مؤيدة للمعنى المؤول دون الحقيقي ، والملاحظ في مسألتنا هنا أنه لا مانع من حمل النص على ظاهره والقرائن المتعددة تؤيد المعنى الحقيقي دون المؤول ، بل المانع الوحيد في نظر الذي يدعيه البعض هو استبعاد تصور فناء التكنولوجيا المعاصرة لأن العلم تراكمي ، وهذا مانع وهمي سيتم مناقشته .
([2]) أخرجه مسلم برقم 2897 [ مسلم بشرح النووي ( 9/219) ]
([3]) أخرجه البخاري برقم 2852 [ البخاري مع الفتح ( 6/66) ]
([4])أخرجه ابن ماجة بطوله برقم 4077 ( 2/1359) ؛ وأبو داود مختصراً برقم 4300 ، وقال شارحه : » أما إسناد المؤلف حديث أبي أمامة فصحيح ، ورواته كلهم ثقات [ عون المعبود ( 11/449 وما بعدها ) ] ؛ والحديث صححه الألباني برقم 13833 [ صحيح الجامع وضعيفه ( 1384) ] .
([5]) أخرجه ابن ماجة برقم 4079 ( 2/1363) ؛قال العدوي : حسن [ الصحيح المسند ( 534) ]
([6]) أخرجه ابن ماجة برقم 4076 ( 2/1359 ؛قال العدوي : صحيح[ الصحيح المسند ( 538) ]
([7]) النحل: من الآية43
(_ ) الإسرائيليات تشمل كتب الأمم السابقة ؛ أي كتب اليهود والنصارى ، وإنما سميت إسرائيليات من باب التغليب ، وهي ثلاثة أقسام : الأول ما ثبت في شرعنا صحته ، وهذا القسم يجوز روايته والاستشهاد به وكذلك لإقامة الحجة عليهم من كتبهم ، القسم الثاني : ما ثبت في شرعنا أنه كذب كمطعنهم في الأنبياء ونحوه ، وهذا لا تجوز روايته ، القسم الثالث : ما لم يثبت لدينا كذبه أو صدقه أو ما هو مسكوت عنه في شرعنا ، وهذا القسم تجوز روايته دون تكذيب أو تصديق له .يقول ابن كثير : « ولسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله ، وهو القسم الذي لا يصدق ولا يكذب .. فنذكره على سبيل التحلي به لا على سبيل الاحتياج إليه أو الاعتماد عليه . » [ البداية والنهاية ( 1/6) ] . قال الشافعي : من المعلوم أن النبي r لا يجيز التحدث بالكذب فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه ، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم . » [ فتح الباري ( 6/575) ] والمسألة التي طرحتها في القرينة هنا إما تدخل في القسم الأول أو الثالث ، والقسمان يجوز الرواية فيهما .
([8]) إنجيل متى ، الإصحاح الرابع والعشرون [ الكتاب المقدس ، العهد الجديد ( 44) ]
([9])إنجيل لوقا ، الإصحاح الواحدوالعشرون [ الكتاب المقدس ، العهد الجديد ( 135 وما بعدها ) ]
([10]) إنجيل مرقس ، الإصحاح الثالث عشر [ الكتاب المقدس ، العهد الجديد ( 80 وما بعدها ) ]
(_ ) الوضع الطبيعي تسمية المكان المقدس باسم فيه تفاؤل ، أما تسميته باسم الخراب فهذا أمر غريب ، ولعل اليهود بهذه التسمية يريدون استغلال المدرسة الإنجيلية المهووسة بعلامات النهاية ونزول عيسى ، فالتسمية دينية لها مآرب سياسية خبيثة ، وكأن اليهود بذلك يوحون للنصارى الإنجيليين بأن نزول عيسى قد اقترب وها هي إرهاصات نزوله تتحقق واحدة تلو الأخرى ، وعلى هذه المدرسة أن تضاعف من دعمها لليهود الذين يعجلون بقرب البشارات ، وبقرب الملحمة الفاصلة التي ينزل في نهايتها عيسى عليه السلام .
([11]) سفر يوئيل الإصحاح2 الفقرة 11، والفقرة 21-22[ الكتاب المقدس،العهد القديم ( 1200وما بعدها )]
([12]) سفر عاموس الإصحاح 8 فقرة 10[الكتاب المقدس ، العهد القديم ( 1211) ]
([13]) سفر حزقيال ، الإصحاح 32 ، فقرة 7-8 [الكتاب المقدس ، العهد القديم ( 1227) ]
(_ ) خلال تتبعي لما يعرف بالكتاب المقدس بعهديه الجديد والقديم ، وجدت أن هذا الحدث بالذات قد تكرر بنفس الوصف تقريباً عدة مرات في العهد القديم وفي أسفار متعددة ، ومجموع هذه النصوص تحكي عن غضب إلهي على البشرية التي حادت عن طريق الصواب ، وبعض النصوص تصف الحدث بأنه أشبه بطوفان نوح من حيث كونه عقوبة عامة تأثرت بها كل البشرية في عهد نوح عليه السلام ، وبعض النصوص تصرح بأن هذا اليوم يتميز بالغيم والضباب وأعمدة الدخان الصاعدة التي تحجز ضوء الشمس والقمر ، وبعضها يصرح بتغيرات جيولوجية بزوال جبال أصيلة ، وبعضها يصرح بجفاف نهر الفرات في تلك المرحلة على وجه الخصوص ، وبعضها يتحدث عن قحط شديد ومجاعة عنيفة ، يعقبه عودة النبات والأنهار والينابيع للصحراء والبرية ، وهذه النصوص على كثرتها لم أشأ أن أثقل كتابي بها مما يشتت فكرته الأصيلة التي اقتصرت على بيان علامات الساعة من أصولها المعتمدة لدينا ، لكن وجود نفس الفكرة في أسفار متعددة وفي حقب تاريخية مختلفة وأنبياء متعددين وتحكي عن حدث واحد قد يعطي مصداقية لوقوع هذا الحدث فهو أشبه بقول النبي r أنه ما من نبي إلا أنذر قومه الدجال ، وهذا الحدث على وجه الخصوص مرتبط بمرحلة الدجال ، فقد تكون هذه من إنذارات أنبياء بني إسرائيل لأقوامهم
([14])هود:43
(_ ) مصطلح ابن الإنسان من مصطلحات أهل الكتاب ، وقد ذكر هذا المصطلح في سفر دانيال بما لا يحتمل إلا أن يكون المراد به هو عيسى r ، والنص يشير إلى نزول عيسى r : وفيه : « كنت أرى في رؤى الليل فإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان أتى وجاء إلى قديم الأيام فقربوه قدامه » [ سفر دانيال ، الإصحاح السابع ، الفقرة 13 ]
([15]) أخرجه عبد الرازق في مصنفه ، ونعيم في الفتن ، وقال عنه البستوي : إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات [ البستوي : المهدي المنتظر ( 220) ]
([16]) الأحزاب:62
([17]) الفتح:23
([18]) الاسراء:77
([19]) فاطر:42، 43
([20]) الغزالي : كيف نتعامل مع القرآن ( 53 وما بعدها )
(_ ) هذه بعض الآيات الدالة على بعض السنن المهلكة : } وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً { [ الكهف:59 ] } وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً { [الاسراء: 16]} بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ { [الأنبياء:18]} قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ { [ النحل:26 ] } وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . { [ يونس 24 ] } وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ، فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ، فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ . { [ الشعراء : 52-59]} فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَـمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ { [ فصلت الآية 15 ]
([21]) النحل:47
([22]) ا لأعراف:133
(_ ) راجع الآيات التي تحكي اللحظات الأخيرة لقوم نوح عليه السلام ، حيث كانت مليئة بالاستهزاء من نوح الذي يبني سفينته في الصحراء ، أما آخر ليلة في قوم لوط عليه السلام فكانت ليلة فرح عظيم واستبشار = =بهؤلاء الغلمان الذين حلوا ضيوفاً على لوط عليه السلام ، أما اللحظة الأخيرة لقوم عاد فكانت تلك الغيوم التي تبشر بمطر عظيم بعد القحط الذي أصابهم .
انتهى البحث بحمد الله